الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } * { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ }

الآيات العشر. المعنى: { إن الذين جاؤوا بالإفك } أي بالكذب العظيم الذي قلب فيه الأمر عن وجهه { عصبة منكم } أيها المسلمون. قال ابن عباس وعائشة: منهم عبد الله بن أبي ابن سلول وهو الذي تولّى كبره ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش { لا تحسبوه شرّاً لكم بل هو خير لكم } هذا خطاب لعائشة وصفوان لأنهما قُصدا بالإفك ولمن اغتمَّ بسبب ذلك وخطاب لكل من رمي بسبب عن ابن عباس أي لا تحسبوا غمّ الإفك شراً لكم بل هو خير لكم لأن الله تعالى يبرئ عائشة ويأجرها بصبرها واحتسابها ويلزم أصحاب الإفك ما استحقّوه بالإثم الذي ارتكبوا في أمرها. وقال الحسن: هذا خطاب للقاذفين من المؤمنين والمعنى لا تحسبوا أيها القذفة هذا التأديب شراً لكم بل هو خير لكم فإنه يدعوكم إلى التوبة ويمنعكم عن المعاودة إلى مثله. { لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم } أي لكل امرئ من القذفة جزاء ما اكتسبه من الإثم بقدر ما خاض وأفاض فيه. وقيل: معناه على كل امرئ منهم عقاب ما اكتسب كقولهوإن أسأتم فلها } [الإسراء: 7] أي فعليها { والذي تولى كبره } أي تحمله معظمه { منهم له عذاب عظيم } المراد به عبد الله بن أبي ابن سلول أي فإنه كان رأس أصحاب الإفك كان يجتمع الناس عنده ويحدثهم بحديث الإفك ويشيع ذاك بين الناس ويقول قال امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقودها والله ما نجت منه ولا نجا منها والعذاب العظيم عذاب جهنم في الآخرة. وقيل: المراد به مسطح بن أثاثة. وقيل: حسان بن ثابت فإنه روي أنه دخل على عائشة بعد ما كفّ بصره فقيل لها إنه يدخل عليك وقد قال فيك ما قال وقد قال الله تعالى { والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } فقالت عائشة أليس قد كفّ بصره فأنشد حسان قوله فيها:
حِصـــانٌ رِزانٌ ما تُـزَنُّ بِرِيبَةٍ   وَتُصْبحُ غَرْثى مِنْ لُحُومِ الغَوافِلِ
فقالت عائشة لكنك لست كذلك { لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً } معناه: هلا حين سمعتم هذا الإفك من القائلين له ظن المؤمنون والمؤمنات بالذين هم كأنفسهم خيراً لأن المؤمنين كلهم كالنفس الواحدة فيما يجري عليها من الأمور فإذا جرى على أحدهم محنة فكأنها جرت على جماعتهم فهو كقولهفسلموا على أنفسكم } [النور: 61] عن مجاهد وعلى هذا يكون خطاباً لمن سمعه فسكت ولم يصدق ولم يكذب. وقيل: هو خطاب لمن أشاعه والمعنى هلا إذا سمعتم هذا الحديث ظننتم بها ما تظنونه بأنفسكم لو خلوتم بها وذلك لأنها كانت أم المؤمنين ومن خلا بأمه لا يطمع فيها وهي لا تطمع فيه { وقالوا هذا إفك مبين } أي وهلا قالوا هذا القول كذب ظاهر.

PreviousNext
1 3