الرئيسية - التفاسير


* تفسير معالم التنزيل/ البغوي (ت 516 هـ) مصنف و مدقق


{ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } * { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } * { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ ٱلأَمْرِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } * { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَٰنَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَانَهُمْ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } * { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } * { فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } * { إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ } * { إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ } * { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم }

{ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـٰرَهُمْ * ذَلِكَ } ، الضرب، { بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللهَ } ، قال ابن عباس: بما كتموا من التوراة وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، { وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ } ، كرهوا ما فيه رضوان الله، وهو الطاعة والإيمان. { فَأَحْبَطَ أَعْمَـٰلَهُمْ }. { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } ، يعني المنافقين، { أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللهُ أَضْغَـٰنَهُمْ } ، لن يظهر أحقادهم على المؤمنين فيبديها حتى يعرفوا نفاقهم، واحدها: " ضغن " ، قال ابن عباس: حسدهم. { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَـٰكَهُمْ } ، أي لأعلمناكهم وعرَّفناكهم، { فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَـٰهُمْ } ، بعلامتهم، قال الزجاج: المعنى: لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة تعرفهم بها. قال أنس: ما خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين، كان يعرفهم بسيماهم. { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } ، في معناه ومقصده. " واللحن ": وجهان صواب وخطأ، فالفعل من الصواب: لَحِنَ يَلْحَنُ لَحْناً فهو لَحِنٌ إذا فطن للشيء، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ". والفعل من الخطأ لَحَنَ يَلْحَنُ لَحْناً فهو لاَحِنٌ. والأصل فيه: إزالة الكلام عن جهته. والمعنى: إنك تعرفهم فيما يعرضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين والاستهزاء بهم، فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا عرفه بقوله، ويستدل بفحوى كلامه على فساد دخيلته. { وَٱللهُ يَعْلَمُ أَعْمَـٰلَكُمْ }. { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } ، ولنعاملنكم معاملة المختبر بأن نأمركم بالجهاد والقتال، { حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّـٰبِرِينَ } ، أي: علم الوجود، يريد: حتى يتبين المجاهد والصابر على دينه من غيره، { وَنَبْلُوَاْ أَخْبَـٰرَكُمْ } ، أي نظهرها ونكشفها بإباء من يأبى القتال، ولا يصبر على الجهاد. وقرأ أبو بكر عن عاصم " وليبلونكم حتى يعلم " ، ويبلو بالياء فيهن، لقوله تعالى: { وَٱللهُ يَعْلَمُ أَعْمَـٰلكُم } ، وقرأ الآخرون بالنون فيهن، لقوله تعالى { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَـٰكَهُمْ } ، وقرأ يعقوب " ونبلوا " ساكنة الواو، رداً على قوله: " ولنبلونكم " وقرأ الآخرون بالفتح رداً على قوله { حَتَّىٰ نَعْلَمَ }. { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللهَ شَيْئاً } ، إنما يضرون أنفسهم، { وَسَيُحْبِطُ أَعْمَـٰلَهُمْ } ، فلا يرون لها ثواباً في الآخرة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: هم المطعمون يوم بدر، نظيرها قوله عزّ وجلّ:إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللهِ } [الأنفال:36] الآية. { يـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَـٰلَكُمْ } ، قال عطاء: بالشك والنفاق، وقال الكلبي: بالرياء والسمعة. وقال الحسن: بالمعاصي والكبائر. وقال أبو العالية: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع الإخلاص ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل، فنزلت هذه الآية فخافوا الكبائر بعده أن تحبط الأعمال.

PreviousNext
1 3