الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَاكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ }

ويمكن أن ينظر إلى ما يصدق عليه اسم العهد، وما تفيده الإضافة من العموم، فيشمل جميع ذلك اعتباراً بعموم اللفظ من غير نظر إلى السبب، ولا إلى السياق، فيستدل به على اشتراط السلامة من وصف الظلم في كل من تعلق بالأمور الدينية. وقد اختار ابن جرير أن هذه الآية، وإن كانت ظاهرة في الخبر أنه لا ينال عهد الله بالإمامة ظالماً، ففيها إعلام من الله لإبراهيم الخليل أنه سيوجد من ذريته من هو ظالم لنفسه. انتهى. ولا يخفاك أنه لا جدوى لكلامه هذا. فالأولى أن يقال إن هذا الخبر في معنى الأمر لعباده أن لا يولوا أمور الشرع ظالماً، وإنما قلنا إنه في معنى الأمر لأن أخباره تعالى لا يجوز أن تتخلف. وقد علمنا أنه قد نال عهده من الإمامة، وغيرها كثيراً من الظالمين. قوله { وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ } هو الكعبة غلب عليه كما غلب النجم على الثريا، و { مَثَابَةً } مصدر من ثاب يثوب مثاباً، ومثابة، أي مرجعاً يرجع الحجاج إليه بعد تفرقهم عنه، ومنه قول ورقة بن نوفل في الكعبة
مَثاب لأفْنَاءِ القبائل كُلَّها تَخُبُّ إلَيها اليَعْمَلاتُ الذَّوابلُ   
وقرأ الأعمش «مثابات» وقيل المثابة من الثواب، أي يثابون هنالك. وقال مجاهد المراد أنهم لا يقضون منه أوطارهم، قال الشاعر
جُعِل البيْتُ مَثابات لَهُم ليْسَ منه الدهرَ يَقْضُونَ الوَطرْ   
قال الأخفش ودخلت الهاء لكثرة من يثوب إليه، فهي كعلامة ونسابة. وقال غيره هي للتأنيث، وليست للمبالغة. وقوله { وَأَمْناً } هو اسم مكان أي موضع أمن. وقد استدل بذلك جماعة من أهل العلم على أنه لا يقام الحدّ على من لجأ إليه، ويؤيد ذلك قوله تعالىوَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِناً } آل عمران 97 وقيل إن ذلك منسوخ. وقوله { وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ مُصَلّىً } قرأ نافع، وابن عامر بفتح الخاء على أنه فعل ماض أي جعلنا البيت مثابة للناس، وأمناً، واتخذوه مصلى. وقرأ الباقون على صيغة الأمر عطفاً على { اذكروا } المذكور أوّل الآيات، أو على " اذكروا " المقدّر عاملاً في قوله { وَإِذْ } ويجوز أن يكون على تقدير القول، أي وقلنا اتخذوا. والمقام في اللغة موضع القيام، قال النحاس، هو من قام يقوم، يكون مصدراً واسماً للموضع، ومقام من أقام، وليس من هذا قول الشاعر
وَفيِهم مَقَامات حِسانٌ وجوهها وأنديةٌ ينتابُها القولُ والفعلُ   
لأن معناه أهل مقامات. واختلف في تعيين المقام على أقوال، أصحها أنه الحجر الذي يعرفه الناس، ويصلون عنده ركعتي الطواف، وقيل المقام الحج كله، روى ذلك عن عطاء، ومجاهد، وقيل عرفة، والمزدلفة، روي عن عطاء أيضاً، وقال الشعبي الحرم كله مقام إبراهيم، وروى عن مجاهد.

PreviousNext
1 2 4 5 6 7