الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }

فيه مسألتان: الأولى قوله تعالى: { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } التي ٱشتكت إلى الله هي خَوْلَة بنت ثعلبة. وقيل بنت حكيم. وقيل ٱسمها جميلة. وخَوْلَة أصح وزوجها أَوْس بن الصَّامِت أخو عُبَادة بن الصامت، وقد مرّ بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته والناس معه على حمار فٱستوقفته طويلاً ووعظته وقالت: يا عمر قد كنت تدعى عُمَيْراً، ثم قيل لك عمر، ثم قيل لك أمير المؤمنين فٱتق الله يا عمر فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب وهو واقف يسمع كلامها فقيل له: يا أمير المؤمنين أتقف لهذه العجوز هذا الوقوف؟ فقال: والله لو حبستني من أوّل النهار إلى آخره لازلت إلا للصلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز؟ هي خَوْلَة بنت ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سموات، أيسمع ربّ العالمين قولها ولا يسمعه عمر؟ وقالت عائشة رضي الله عنها: تبارك الذي وسِع سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خَوْلَة بنت ثعلبة ويخفى عليّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله! أكل شبابي ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني وٱنقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك! فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآية: { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } خرجه ٱبن ماجه في السنن. والذي في البخاري من هذا عن عائشة قالت: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادِلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا }. وقال الماوردي: هي خَوْلَة بنت ثعلبة. وقيل: بنت خويلد. وليس هذا بمختلف لأن أحدهما أبوها والآخر جدّها فنسبت إلى كل واحد منهما. وزوجها أَوْس بن الصَّامِت أخو عُبَادة بن الصَّامت. وقال الثعلبي قال ٱبن عباس: " هي خَوْلة بنت خويلد الخزرجية، كانت تحت أَوس بن الصَّامت أخو عُبَادة بن الصامت، وكانت حسنة الجِسم فرآها زوجها ساجدة فنظر عجيزتها فأعجبه أمرها، فلما ٱنصرفت أرادها فأبت فغضب عليها ـ قال عُرْوة: وكان ٱمرأً به لَمَم فأصابه بعض لَمَمِه فقال لها: أنت عليّ كظهر أمي. وكان الإيلاء والظهار من الطلاق في الجاهلية، فسألت النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال لها: «حرِمت عليه» فقالت: والله ما ذكر طلاقاً ثم قالت: أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي ووحشتي وفراق زوجي وٱبن عمي وقد نفضت له بطني فقال: «حرِمت عليه» فما زالت تراجعه ويراجعها حتى نزلت عليه الآية. وروى الحسن: أنها قالت: يا رسول اللهٰ قد نسخ الله سنن الجاهلية وإن زوجي ظاهر مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أوحي إليّ في هذا شيء» فقالت: يا رسول الله، أوحي إليك في كل شيء وطُوِي عنك هذا؟! فقال: «هو ما قلت لكِ» فقالت: إلى الله أشكو لا إلى رسوله. فأنزل الله: { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } الآية "

السابقالتالي
2 3