الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ }

قوله تعالى: { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } روى البخاريّ " عن زيد بن أَرْقم قال: كنت مع عَمّي فسمعت عبد الله بن أُبَيّ بن سلول يقول: { لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ }. وقال: { لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } فذكرت ذلك لعمّي فذكر عمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أُبَيّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا فصدّقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكَذّبني. فأصابني همّ لم يصبني مثله، فجلست في بيتي فأنزل الله عز وجل: { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ } ـ إلى قوله ـ { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ } ـ إلى قوله ـ { لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } فأرسل إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال:«إن الله قد صدقك» " خرّجه الترمذيّ قال: هذا حديث حسن صحيح. وفي الترمذي عن زيد بن أَرقم قال: غَزَوْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معنا أناس من الأعراب فكنا نبدر الماء، وكان الأعراب يسبقونا إليه فيسبق الأعرابيّ أصحابه فيملأ الحوض ويجعل حوله حجارة، ويجعل النِّطْع عليه حتى تجيء أصحابه. قال: فأتى رجل من الأنصار أعرابياً فأرْخَى زمام ناقته لتشرب فأبَى أن يَدَعَه، فانتزع حجراً فغاض الماء فرفع الأعرابيّ خشبة فضرب بها رأس الأنصاري فشَجّه، فأتى عبدَ الله بن أبَيّ رأس المنافقين فأخبره ـ وكان من أصحابه ـ، فغضب عبد الله بن أبَيّ ثم قال: لا تُنْفِقُوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ـ يعني الأعراب ـ وكانوا يحضرون رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام فقال عبد الله: إذا انفضوا من عند محمد فأتوا محمداً بالطعام، فليأكل هو ومن عنده. ثم قال لأصحابه: لئن رجعتم إلى المدينة ليُخْرِجَنّ الأَعَزُّ مِنْها الأَذَلَّ. قال زيد: وأنا رِدْف عمي فسمعت عبد الله بن أُبَيّ فأخبرت عمي، فانطلق فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلف وجَحَد. قال: فصدّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكَذّبني. قال: فجاء عمي إليّ فقال: ما أردتُ إلى أن مَقَتَك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكَذّبك والمنافقون. قال: فوقع عليّ من جرأتهم ما لم يقع على أحد. قال: فبينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ قد خفَقْتُ برأسي من الَهمّ إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فَعَرك أذني وضحك في وجهي فما كان يَسُرّني أن لي بها الخُلْد في الدنيا.

السابقالتالي
2