الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } * { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } * { ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ }

فيه مسائل: المسألة الأولى: { عَمَّ }: أصله حرف جر دخل ما الاستفهامية، قال حسان رحمه الله تعالى:
على ما قام يشتمني لئيم   كخنزير تمرغ في رماد
والاستعمال الكثير على الحذف والأصل قليل، ذكروا في سبب الحذف وجوهاً أحدها: قال الزجاج لأن الميم تشرك الغنة في الألف فصارا كالحرفين المتماثلين وثانيها: قال الجرجاني إنهم إذا وصفوا ما في استفهام حذفوا ألفها تفرقة بينها وبين أن تكون اسماً كقولهم: فيم وبم ولم وعلام وحتام وثالثها: قالوا حذفت الألف لاتصال ما بحرف الجر حتى صارت كجزء منه لتنبىء عن شدة الاتصال ورابعها: السبب في هذا الحذف التخفيف في الكلام فإنه لفظ كثير التداول على اللسان. المسألة الثانية: قوله { عَمَّ يَتَسَاءلُونَ } أنه سؤال، وقوله { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } جواب السائل والمجيب هو الله تعالى، وذلك يدل على علمه بالغيب، بل بجميع المعلومات. فإن قيل ما الفائدة في أن يذكر الجواب معه؟ قلنا لأن إيراد الكلام في معرض السؤال والجواب أقرب إلى التفهيم والإيضاح ونظيرهلّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16]. المسألة الثالثة: قرأ عكرمة وعيسى بن عمر عما وهو الأصل، وعن ابن كثير أنه قرأ عمه بهاء السكت، ولا يخلو إما أن يجري الوصل مجرى الوقف، وإما أن يقف ويبتدىء بـ { يَتَسَاءلُونَ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } على أن يضمر يتساءلون لأن ما بعده يفسره كشيء مبهم ثم يفسره. المسألة الرابعة: ما لفظة وضعت لطلب ماهيات الأشياء وحقائقها، تقول ما الملك؟ وما الروح؟ وما الجن؟ والمراد طلب ماهياتها وشرح حقائقها، وذلك يقتضي كون ذلك المطلوب مجهولاً. ثم إن الشيء العظيم الذي يكون لعظمه وتفاقم مرتبته ويعجز العقل عن أن يحيط بكنهه يبقى مجهولاً، فحصل بين الشيء المطلوب بلفظ ما وبين الشيء العظيم مشابهة من هذا الوجه والمشابهة إحدى أسباب المجاز، فبهذا الطريق جعل { مَا } دليلاً على عظمة حال ذلك المطلوب وعلو رتبته ومنه قوله تعالىوَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجّينٌ } [المطففين: 8]،وَمَا أَدْرَاكَ مَا ٱلْعَقَبَةُ } [البلد: 12] وتقول زيد وما زيد. المسألة الخامسة: التساؤل هو أن يسأل بعضهم بعضاً كالتقابل، وقد يستعمل أيضاً في أن يتحدثوا به، وإن لم يكن من بعضهم لبعض سؤال، قال تعالى:وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ } [الطور: 25]قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ إِنّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يِقُولُ أَءنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدّقِينَ } [الصافات: 5251] فهذا يدل على معنى التحدث فيكون معنى الكلام عم يتحدثون، وهذا قول الفراء. المسألة السادسة: أولئك الذين كانوا يتساءلون من هم، فيه احتمالات: الاحتمال الأول: أنهم هم الكفار، والدليل عليه قوله تعالى:كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } [النبأ: 54] الضمير في يتساءلون، وهم فيه مختلفون وسيعلمون، راجع إلى شيء واحد وقوله: { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } تهديد والتهديد لا يليق إلا بالكفار، فثبت أن الضمير في قوله: { يَتَسَاءلُونَ } عائد إلى الكفار، فإن قيل فما تصنع بقوله: { هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } مع أن الكفار كانوا متفقين في إنكار الحشر؟ قلنا لا نسلم أنهم كانوا متفقين في إنكار الحشر، وذلك لأن منهم من كان يثبت المعاد الروحاني، وهم جمهور النصارى، وأما المعاد الجسماني فمنهم من كان شاكاً فيه كقوله:

السابقالتالي
2 3