الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }

شرح الصدر: فتحه أي ألم نفتح صدرك للإسلام. وروى أبو صالح عن ابن عباس قال: ألم نُلين لك قلبك. وروى الضحاك عن ابن عباس قال: " قالوا يا رسول الله، أينشرح الصدر؟ قال: «نعم وينفسح». قالوا: يا رسول الله، وهل لذلك علامة؟ قال: «نعم التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاعتداد للموت، قبل نزول الموت» " وقد مضى هذا المعنى في «الزمر» عند قوله تعالى:أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } [الزمر: 22]. وروي عن الحسن قال: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } قال: مُلِىء حكماً وعلماً. وفي الصحيح عن أنس بن مالك: عن مالك بن صعصعة ـ رجلٍ من قومه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فبينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان إذ سمعت قائلاً يقول: أحد الثلاثة فأُتِيت بطَسْت من ذهب، فيها ماء زمزم، فشرح صدري إلى كذا وكذا» قال قتادة قلت: ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني، قال: «فاستخرِج قلبي، فغُسِل قلبي بماء زمزم، ثم أعيد مكانه، ثم حُشِي إيماناً وحِكمة " وفي الحديث قِصة. وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " جاءني ملكان في صورة طائر، معهما ماء وثلج، فشرح أحدهما صدري، وفتح الآخر بمنقاره فيه فغسله " وفي حديث آخر قال: " جاءني مَلَك فشق عن قلبي، فاستخرج منه عذرة، وقال: قلبك وكيع، وعيناك بصيرتان، وأذناك سميعتان، أنت محمد رسول الله، لسانك صادق، ونفسك مطمئنة، وخلقك قُثَم، وأنت قيم " قال أهل اللغة: قوله: «وكيع أي يحفظ ما يوضع فيه. يقال: سِقاء وكيع أي قوِي يحفظ ما يوضع فيه. واستوكعتْ معِدته، أي قوِيت. وقوله «قُثَم» أي جامع. يقال: رجل قَثوم للخير أي جامع له. ومعنى «ألم نشرح» قد شرحنا الدليل على ذلك قوله في النسْق عليه: { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } ، فهذا عطف على التأويل، لا على التنزيل لأنه لو كان على التنزيل لقال: ونضع عنك وِزرك. فدل هذا على أن معنى «ألم نشرح»: قد شرحنا. و«لم» جَحْد، وفي الاستفهام طرف من الجحد، وإذا وقع جحد، رجع إلى التحقيق كقوله تعالى:أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ } [التين: 8] ومعناه: الله أحكم الحاكمين. وكذاأَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } [الزمر: 36]. ومثله قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان:
ألستمْ خيرَ من ركب المطايا   وأندى العالمين بطونَ راحِ
المعنى: أنتم كذا.