الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } * { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } * { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } * { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } * { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } * { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }

{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } أي: المشركون الجاحدون للحق، الذي وضحت حجته واتضحت محجته { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } أي: من الآلهة والأوثان الآن { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } أي: الآن { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ } أي: فيما أستقبل { مَّا عَبَدتُّمْ } أي: فيما مضى { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ } أي: فيما تستقبلون أبداً { مَآ أَعْبُدُ } أي: الآن وفيما أستقبل - هكذا فسره الإمام ابن جرير رحمه الله. ثم قال: وإنما قيل ذلك كذلك، لأن الخطاب من الله كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين، قد علم أنهم لا يؤمنون أبداً، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه. فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يؤيسهم من الذين طمعوا فيه وحدثوا به أنفسهم. وإن ذلك غير كائن منه ولا منهم في وقت من الأوقات. وآيس نبيّ الله صلى الله عليه وسلم مع الطمع في إيمانهم، ومن أن يفلحوا أبداً. فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا. إلى أن قتل بعضهم يوم بدر بالسيف، وهلك بعضٌ قبل ذلك كافراً. ثم روى رحمه الله عن ابن إسحاق عن سعيد بن مينا قال: لقي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف، رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد! هلم، فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد، ونشركك في أمرنا كله. فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا، كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه. وإن كان الذي بأيدينا خيراً مما في يديك، كنت قد شركتنا في أمرنا واخذت منه بحظك. فأنزل الله: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ... } السورة. وفي رواية: وأنزل الله في ذلك هذه السورة، وقوله:قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ } [الزمر: 64]بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } [الزمر: 66] انتهى.

وقيل: الجملتان الأخيرتان لنفي العبادة حالا. كما أن الأوليين لنفيها استقبالاً. قال أبو السعود: وإنما لم يقل (ما عبدت) ليوافق { مَّا عَبَدتُّمْ } لأنهم كانوا موسومين قبل البعثة بعبادة الأصنام، وهو عليه السلام لم يكن حينئذ موسوماً بعبادة الله تعالى. وإيثار { مَآ } في { مَآ أَعْبُدُ } على (مَن) لأن المراد هو الوصف. كأنه قيل (ما أعبد) من المعبود العظيم الشأن الذي لا يقادر قدر عظمته. وقيل: إن { مَآ } مصدرية. أي: لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي. وقيل: الأوليان بمعنى (الذي) والأخريان مصدريتان. وقيل: قوله تعالى: { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } تأكيد لقوله تعالى: { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } وقوله تعالى: { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } ثانياً تأكيد لمثله المذكور أولا. انتهى.

ونقل ابن كثير عن الإمام ابن تيمية؛ أن المراد بقوله: { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } نفي الفعل، لأنها جملة فعلية { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } نفي قبوله لذلك بالكلية، لأن النفي بالجملة الاسمية آكد، فكأنه نفى الفعل وكونه قابلاً لذلك.

السابقالتالي
2