الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } * { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } * { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }

قوله - عز وجل -: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }:

قال عامة أهل التأويل: إن قوله - تعالى -: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } هو مكة، والنصر الذي نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل مكة.

قال أبو بكر الأصم: هذا لا يحتمل؛ لأن فتح مكة كان بعد الهجرة بثماني سنين، ونزول هذه السورة كان بعد الهجرة بعشر سنين، ولا يقال للذي مضى: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } ، ولكن أراد سائر الفتوح التي فتحها له، أو كلام نحو هذا، ولكن يحتمل أن يكون قوله: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ } يعني: إذ جاء.

وجائز ذلك في اللغة، وفي القرآن كثير " إذا " مكان " إذ " ، فإن كان [على] هذا فيستقيم حمله على فتح مكة؛ على ما قاله أولئك.

أو يكون قوله تعالى -: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ } ، أي: قد جاء نصر الله.

أو أن يكون أراد بما ذكر من النصر والفتح: الفتوح التي كانت له من بعد حين دخل الناس في دين الله أفواجا؛ على ما ذكرنا.

وقوله - عز وجل -: { نَصْرُ ٱللَّهِ } ، أي: عون الله وخذلانه لأعدائه.

أو أن يكون قوله - تعالى -: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ }: هي فتوح الأمور التي فتحها الله - عز وجل - عليه من تبليغ الرسالة إلى من أمر بتبليغها إليهم، والقيام بالأمور التي أمره أن يقوم بها، فتح تلك الأمور عليه وأتمها، فإن كان على هذا، تصير فتوح تلك الأمور له نعيا له؛ بالدلالة على ما قاله أهل التأويل: إنه نعى لرسول الله صلى الله عليه وسلم نعيه، وجهة الاستدلال الوجوه التي ذكرنا.

وقوله - عز وجل -: { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً }.

ذكر أهل التأويل أنه كان قبل ذلك يدخل واحداً واحداً، فلما كان فتح مكة، جعلوا يدخلون دينه أفواجا أفواجا، وقبيلة قبيلة.

ويحتمل ما ذكرنا من سائر الفتوح، أي: فتوح الأمور التي ذكرنا، على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " نصرت بالرعب مسيرة شهرين، شهرا أمامي، وشهرا ورائي ".

ثم [في] قوله: { إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } الآية، نعي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه، وقد ذكر في الأخبار: أنه نعى إليه نفسه بهذه السورة.

أحدها: ما ذكرنا من جهة الاستدلال عرف أنه قد دنا أجله؛ حيث أتم ما أمر به، وفرغ منه: من التبليغ والدعاء.

والثاني: عرف ذلك اطلاعا من الله تعالى، أطلعه عليه بعلامات جعلها له؛ ففهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يدرك أفهامنا ذلك.

السابقالتالي
2 3