الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً }

{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } إن قيل: لم نودي النبي صلى الله عليه وسلم وحده ثم جاء بعد ذلك خطاب الجماعة؟ فالجواب: أنه لما كان حكم الطلاق يشترك فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، قيل: إن طلقتم خطاباً له ولهم، وخُصَّ هو عليه الصلاة والسلام بالنداء تعظيماً له، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان افعلوا، أي: افعل أنت وقومك، ولأنه عليه الصلاة والسلام هو المبلغ لأمته، فكأنه قال: يا أيها النبي إذا طلقت أنت وأمتك. وقيل: تقديره يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم. وهذا ضعيف لأنه يقتضي أن هذا الحكم مختص بأمته دونه، وقيل: إنه خوطب النبي صلى الله عليه وسلم بطلقتم تعظيماً له، كما تقول للرجل المعظم: أنتم فعلتم، وهذا أيضاً ضعيف، لأنه يقتضي اختصاصه عليه الصلاة السلام بالحكم دون أمته، ومعنى إذا طلقتم هنا: إذا أردتم الطلاق.

واختلف في الطلاق هل هو مباح أو مكروه؟ فأما إذا كان على غير وجه السنة فهو ممنوع. ولكن يلزم، وأما اليمين بالطلاق فممنوع { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } تقديره: طلقوهن مستقبلات لعدتهن، ولذلك قرأ عثمان وابن عباس وأبيّ بن كعب: فطلقوهن في قبل عدتهن، وقرأ ابن عمر: لقبل عدتهن، ورويت القراءتان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومعنى ذلك كله: لا يطلقها وهي حائض، فهو منهي عنه بإجماع، لأنه إذا فعل ذلك لم يقع طلاقه في الحال التي أمر الله بها وهو استقبال العدة، واختلف في النهي عن الطلاق في الحيض هل هو معلل بتطويل العدة، أو هو تعبد؟ والصحيح أنه معلل بذلك، وينبني على هذا الخلاف فروع منها: هل يجوز إذا رضيت به المراة أم لا؟ ومنها: هل يجوز طلاقها وهي حامل أم لا؟ ومنها: هل يجوز طلاقها قبل الدخول وهي حائض أم لا؟ فالتعليل بتطويل العدّة يقتضي جواز هذه الفروع، والتعبد يقتضي المنع، ومن طلق في الحيض لزمه الطلاق، ثم يؤمر بالرجعة على وجه الإجبار عند مالك، وبدون إجبار عند الشافعي حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك، حسبما ورد في حديث ابن عمر، " حين طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر؛ ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك " واشترط مالك أن يطلقها في طهر لم يمسها فيه، ليعتد بذلك الطهر، فإنه إن طلقها في طهر بعد أن جامعها فيه، فلا تدري هل تعتد بالوضع أو بالأقراء، فليس طلاقاً لعدتها كما أمر الله { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } أمر بذلك لما ينبني عليها من الأحكام، في الرجعة والسكنى والميراث وغير ذلك.

السابقالتالي
2