الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } * { يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } * { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } * { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } * { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً }

قرأ جمهور الناس " قل أوحي إلي " من أوحى يوحي. وقرأ أبو أُناس جوية بن عائذ: " قل أوحى إلي " ، من وحى يحي ووحى وأوحى، بمعنى واحد، وقال العجاج: " وحى لها القرار فاستقرت ". وقرأ أيضاً جوية فيما روى عنه الكسائي، " قل أحي " أبدلت الواو همزة كما أبدلوها في وسادة وإسادة، وغير ذلك وكذلك قرأ ابن أبي عبلة، وحكى الطبري عن عاصم أنه كان يكسر كل ألف في السورة من " أن " و " إن " إلا قوله تعالى:وأن المساجد لله } [الجن: 18]. وحكي عن أبي عمرو أنه يكسر من أولها إلى قولهوإن لو استقاموا على الطريقة } [الجن: 16] فإنه كان يفتح همزة وما بعدها إلى آخر السورة. فعلى ما حكي يلزم أن تكون الهمزة مكسورة في قوله " إنه استمع " ، وليس ما ذكر بثابت. وذكر أبو علي الفارسي أن ابن كثير وأبا عمرو فتحا أربعة أحرف من السورة وكسرا غير ذلك { أنه استمع } ،وإن لو استقاموا } [الجن: 16]،وإن المساجد } [الجن: 18]،وإنه لما قام } [الجن: 19]، وأن نافعاً وعاصماً في رواية أبي بكر والمفضل وافقا في الثلاثة وكسراوإنه لما قام } [الجن: 19] مع سائر ما في السورة. وذكر أن ابن عامر وحمزة والكسائي كانوا يقرأون كل ما في السورة بالفتح إلا ما جاء بعد قول أو فاء جزاء، وكذلك حفص عن عاصم، فترتب إجماع القراء على فتح الألف من { أنه استمع } و " أن لو استقاموا " " وأن المساجد ". وذكر الزهراوي عن علقمة أنه كان يفتح الألف في السورة كلها. واختلف الناس في الفتح من هذه الألفات وفي الكسر اختلافاً كثيراً يطول ذكره وحصره وتقصي معانيه. قال أبو حاتم: أما الفتح فعلى { أوحي } ، فهو كله في موضع رفع على ما لم يسم فاعله. وأما الكسر فحكاية وابتداء وبعد القول. وهؤلاء النفر من الجن هم الذين صادفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ببطن نخلة في صلاة الصبح وهو يريد عكاظ. وقد تقدم قصصهم في سورة الأحقاف في تفسير قوله تعالى:وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن } [الأحقاف: 29].

وقول الجن: { إنا سمعنا } الآيات، هو خطاب منهم لقومهم الذين ولوا إليهم منذرين، و { قرآناً عجباً } معناه ذا عجب، لأن العجب مصدر يقع من سامع القرآن لبراعته وفصاحته ومضمناته، وليس نفس القرآن هو العجب. وقرأ جمهور الناس " إلى الرُّشْد " بضم الراء وسكون الشين. وقرأ عيسى الثقفي " إلى الرَّشَد " بفتح الراء والشين. وقرأ عيسى " إلى الرُّشد " ومن كسر الألف من قوله " وإنه تعالى " فعلى القطع ويعطف الجملة على قوله { إنا سمعنا } ، ومن فتح الألف من قوله " وأنه تعالى " اختلفوا في تأويل ذلك، فقال بعضهم هي عطف على { إنه استمع } ، فيجيء على هذا قوله { تعالى } مما أمر أن يقول إنه أوحي إليه وليس يكون من كلام الجن، وفي هذا قلق.

السابقالتالي
2 3