الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { يسألونك عن الأنفال } في سبب نزولها ثلاثة أقوال.

أحدها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: " من قتل قتيلاً فله كذا وكذا، ومن اسر أسيراً فله كذا وكذا، " فأما المشيخة، فثبتوا تحت الرايات، وأما الشبان فسارعوا إلى القتل والغنائم، فقال المشيخة للشبان: أشركونا معكم، فانا كنا لكم ردءاً، فأبوا، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت سورة (الأنفال) رواه عكرمة عن ابن عباس.

والثاني: أن سعد بن أبي وقاص أصاب سيفاً يوم بدر، فقال: يا رسول الله، هبه لي، فنزلت هذه الآية، رواه مصعب بن سعد عن أبيه. وفي رواية أخرى " عن سعد قال: قتلت سعيد بن العاص، وأخذت سيفه، فأتيت به رسول الله، فقال: «اذهب فاطرحه في القَبَض»، فرجعت، وبي مالا يعلمه إلا الله، فما جاوزت إلا قريبا حتى نزلت سورة (الأنفال)، فقال: «اذهب فخذ سيفك» ". وقال السدي: اختصم سعد وناس آخرون في ذلك السيف، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم منهم، فنزلت هذه الآية.

والثالث: أن الأنفال كانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس لأحد منها شيء، فسالوه أن يعطَيهم منها شيئاً، فنزلت هذه الآية، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وفي المراد بالأنفال ستة أقوال.

أحدها: أنها الغنائم، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة، والضحاك، وأبو عبيدة، والزجاج، وابن قتيبة في آخرين. وواحد الانفال: نفل، قال لبيد:
إنَّ تقوى ربِّنا خيرُ نَفَلْ   وباذنِ اللهِ ريْثي وعَجَلْ
والثاني: أنها ما نفَّله رسول الله صلى الله عليه وسلم القاتلَ من سلَبِ قتيله.

والثالث: أنها ما شذ من المشركين إلى المسلمين من عَبْد أو دابة بغير قتال، قاله عطاء. وهذا والذي قبله مرويان عن ابن عباس أيضاً.

والرابع: أنه الخُمس الذي أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنائم، قاله مجاهد.

والخامس: أنه أنفال السرايا، قاله علي بن صالح بن حيّ. وحكي عن الحسن قال: هي السرايا التي تتقدم أمام الجيوش.

والسادس: أنها زيادات يُؤْثِرُ بها الإِمام بعضَ الجيش لما يراه من المصلحة، ذكره الماوردي. وفي «عن» قولان.

أحدهما: أنها زائدة، والمعنى: يسألونك الأنفال، وكذلك قرأ سعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وأُبيُّ بن كعب، وأبو العالية: «يسألونك الأنفال» بحذف { عن }.

والثاني: أنها أصل، والمعنى: يسألونك عن الأنفال لمن هي؟ أو عن حكم الأنفال؛ وقد ذكرنا في سبب نزولها ما يتعلق بالقولين. وذُكر أنهم إنما سألوا عن حكمها لأنها كانت حراماً على الأُمم قبلهم.

السابقالتالي
2