الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ }

قوله: { أَلَمْ نَشْرَحْ }: الاستفهامُ إذا دخل على النفي قَرَّره، فصار المعنى: قد شَرَحْنا، ولذلك عَطَفَ عليه الماضي. ومثلُهأَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ } [الشعراء: 18]. والعامَّةُ على جزمِ الحاء بـ " لم " وقرأ أبو جعفر بفتحها. وقال الزمخشري: " وقالوا: لعلَّة بَيَّنَ الحاءَ وأشبعها في مَخْرَجِها، فظنَّ السامعُ أنه فتحها " وقال ابن عطية: " إنَّ الأصلَ: ألم نَشْرَحَنْ " بالنونِ الخفيفةِ، ثم أَبْدَلَها ألفاً، ثم حَذَفَها تخفيفاً، كما أنشد ابو زيد:
4597ـ مِنْ أيِّ يَوْمَيَّ من الموتِ أفِرّْ   أيومَ لم يُقْدَرَ أم يومَ قُدِرْ
بفتح راء " لم يُقْدَرَ " وكقولِه:
4598ـ اضْرِبَ عنكَ الهمومَ طارِقَها   ضَرْبَكَ بالسيفِ قَوْنَسَ الفَرَسِ
بفتح باء " اضربَ " انتهى. وهذا مبنيٌ على جوازِ توكيدِ المجزومِ بـ لم، وهو قليلٌ جداً، كقولِه:
4599ـ يَحْسَبُه الجاهلُ ما لم يَعْلما   شيخاً على كُرْسِيِّه مُعَمَّما
فتتركبُ هذه القراءةُ مِنْ ثلاثةِ أصولٍ كلُّها ضعيفةٌ؛ لأنَّ توكيدَ المجزومِ بـ " لم " ضعيفٌ، وإبدالُها أَلِفاً إنما هو الوقفِ، وإجراءُ الوصلِ مُجْرىٰ / الوقفِ خِلافُ الأصلِ، وحَذْفُ الألفِ ضعيفٌ، لأنه خلافُ الأصلِ. وخَرَّجه الشيخُ على لغةٍ حكاها اللحيانيُّ في " نوادره " عن بعضِ العربِ وهو الجزمُ بـ " لن " ، والنصبُ بـ " لم " عكسَ المعروفِ عند الناس، وجعله أَحْسَنَ ممَّا تقدَّم. وأنشد قولَ عائشةَ بنتِ الأعجم تمدح المختار وهو القائمُ بطَلَبِ ثأر الحسين بن علي رضي الله عنهما:
4600ـ قد كادَ سَمْكُ الهُدىٰ يُنْهَدُّ قائمُهُ   حتى أتيحَ له المختارُ فانْعَمدا
في كلِّ ما هَمَّ أمضىٰ رأيَه قُدُماً   ولم يُشاوِرَ في إقدامِه أحدا
بنَصْبِ راء " يُشاور " وجَعَله محتمِلاً للتخريجَيْنِ.