الرئيسية - التفاسير


* تفسير حقائق التفسير/ السلمي (ت 412 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } [الآية: 1].

قال بعضهم: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } يا بنى النسيان والجهل.

قال الواسطى رحمه الله: يا بنى الأعمار والأعمال والآمال، لا تذهبون فيما سبق ولا تغيبون عما أنتم فيه.

وقال ابن عطاء رحمه الله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } كونوا من الناس الذين آنسوا بالله واستوحشوا ممن سواه.

وقال جعفر الصادق رحمه الله: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } كونوا من الناس الذين هم الناس، ولا تغفلوا عن الله فمن عرف أنه من الناس الذين خص خلقه ما خص به، كبرت همته عن طلب المنازل، وسمت به الرفعة حتى يكون الحق عز وجل نهايته كما قال تعالى:وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } [النجم: 42] وسمُو همته فيما خص به من الاختصاص من التعريف والإلهام.

وقال بعضهم: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } خطاب العام، و " يا عبادى " خطاب الخاص، وخطاب خاص الخاص { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } ، و { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ }.

قوله تعالى: { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ }.

روى الليث عن مجاهد عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال له: أوصنى قال: " اتقِ الله فإنه جماع كل خير ".

وقال بعضهم: أصل التقوى أنه وصفك وقابلك بما يليق بك.

قال سمعت النصرآباذى رحمه الله يقول: التقوى نيل الحق، قال الله عز وجل:لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ } [الحج: 37].

قال بعضهم: التقوى ترك المخالفات أجمع.

وقال سهل رحمه الله: من أراد التقوى فليترك الذنوب كلها وكل شىء يقع فيه خلل فيدخل عليه التقوى شاء أم أبى.

وقال أيضًا: التقوى ترك النهى والفواحش.

وقال بعضهم رحمه الله: التقوى الاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم.

وقال بعضهم: التقوى فى الأمر ترك التسويف والتقوى فى النهى ترك الفكرة والقيام عليه. والتقوى أداب مكارم الأخلاق، والتقوى فى الترغيب أن لا يظهر ما فى سرك، والتقوى فى الترهيب أن لا يقف على الجهل.

وقال بعضهم رحمه الله: التقوى من الله الاجتناب من كل شىء سوى الله.

وقال الجريرى رحمه الله: من لم يحكم فيما بينه وبين الله تعالى بالتقوى والمراقبة لا يصل إلى الكشف والمشاهدة.

قال الواسطى رحمه الله: التقوى على أربعة أوجه: للعامة تقوى الشرك، وللخاص تقوى المعاصى، وللخاص من الأولياء تقوى التوسل بالأفعال، وللأنبياء تقواهم منه إليه.

وقال أبو يزيد رحمه الله: كل التقوى من إذا قال لله ولم يقل لغيره، وإذا نوى نوى لله ولم يتب لغيره، هكذا فى جمعى ما يبدو منه.

قوله تعالى: { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } الآية.

قيل: من أوجد النفس الأولى إلا القدرة الجارية والمشيئة النافذة.

وقال عمرو بن عثمان: إن الله عز وجل خلق العالم فهيأه باتساقه نظمًا وذكرًا من أطرافه وأكنافه وأوله وآخره وبدؤه ومنتهاه من أسفله إلى أعلاه، وجعله بحيث لا خلل فيه ولا تفاوت ولا فطور، أحكم بناءه باتصال التدبير وحبسه عن حد تقديره وإن اختلفت أجزاءه فى التفرقة والأجسام والهيئات والتخطيط والتصوير، وفرقه بتفرقة الأماكن وحققه بائتلاف المصالح، فهو مربوط بحدود تقديره وشائع بأفضال تدبيره وبث فيه الأجناس بينهما من شواهد الزينة، فأظهر القدرة بإيجاد آدم عليه السلام ثم بث أولاده فى البسط إلى تصاريف التدبير لهم والمشيئة.

السابقالتالي
2