الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً }

{ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ } اخبر الله سبحانه عن سر فطرة أدم عليه السلام التى قد أتى عليها احيان لم يكن شيئا يطلع عليها المقربون والكروبين من علمهم ومعرفتهم وكيف ذكروه وهو على علمهم فى غيب الغيب مستورا فى حجاب الانس ورياض القدس بنوره عن اعين اهل الملكوت فهناك ليس بمكان ولا زمان يتجلى له من جميع الذات والصفات وبقى بين انوار الصفات وانوار الذات حتى صار فطرته الروحية القدسية الملكوتية كاملة بكمال الله عالمة قادرة سميعه بصيرة متصفة بجميع صفاته ولم يكن هناك صباح ولا مساء ولا زمان ولا مكان عرفها الله نعوته القديمة واسماءه الحسنى وصفاته العلى وسقاها من بحر الذات شربات المحبة والشوق والمعرفة ففى كل صفة لها طور وفى كل مشاهدة لها حال ووجد وكشف لا يطلع عليها اهل البرية فكيف ذكروه وهو مذكور الله ازلا وابدا لم يكشف ذكره لاحد غيره على ذكره فاذا قالت الملائكة نحن نسبح بحمدك ونقدس لك اظهره الله لهم بصورة ترابية وفطرة جسمانية ولولا انه ستره بالماء والطين لماتوا جميعا فى النظر إليه لانه كان خارجا من الحضرة منعوتا بنعت الله موصوفا بصفة على لباس انوار الربوبية فقبل دخوله فى صورته لم يكن الصورة شيئا مذكورة حين لم ينعكس عليها انوار روحه فاذا اراد ان ينفخ فيها روحه خلقها بيده وخمر طينه لطفه وصور لها بصورة علمه وجعل فيها اطواراً من معجونات قدرته وعلمه ثم تركها فى فضاء غيبه حتى مضى عليها دهر دهار ودار عليها فلك دوار ففي كل لحظة وساعة ابدع فيها بدايع فطرته ولم يكشف تلك الحقائق للملائكة ولم يروها الا صورة صلصالية طورا من حمأ مسنون وطورا من تراب وغبار وطورا من صلصال كالفخار حتى تنقشت بنقوش القدرة ودخل فيها روح الاولية فلما قام آدم فى الحضرة سجد له كل شئ لما عليه من آثار جلال الحق وكيف تذكره احد وذكره غايب فى ذاكره ومذكوره تعالى الله عن كل نقص وعلة فكما خلق آدم بهذه المثابة خلق ذريته فى معادن غيبه اطوارا: طورا روحانيا وطورا عليا وطور عقليا وطور نفسانيا وطورا حيوانياً وطور شهوانيا وطورا شيطانيا وطورا سريا وطورا ملكوتيا وطورا ربانيا فهذه الاطوار يغلبها الله فى زمان علمه وقدرته ويجعلها فى كل اوان عجبته من علمه غريبا من قدرته مصبوغة بصبغ افانين تجليه وذلك قوله { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } لان كل انسان عنده آدم ثان قال جعفر هل اتى عليك يا انسان وقت لم يكن الله ذكرا لك فيه وقال ابو عثمان المغربى ابتلى الله الحق بتسعة امشاج ثلاث مفتنات وثلاث كافرات وثلاث مؤمنات فاما الثلاث المفتنات سمعه وبصره ولسانه واما الثلاث الكافرات فنفسه وهواه وعدوه واما الثلاث المؤمنات فعقله وروحه وقلبه فاذا ايد الله العبد بالمعونة قهر العقل على القلب فملكه واستاسرت النفس والهوى فلم تجد الى الحركة سبيلا فجانست النفس الروح وجانس الهوى العقل وصارت كلمة الله هى العليا قال الله قاتلوهم حتى لا تكون فتنة.