الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } * { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ }

ألهاكم: أي شغلكم، ولهاه: تلهيه، أي علله.

ومنه قول امرئ القيس:
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع   فألهيتها عن ذي تمائم محول
أي شغلتها.

والتكاثر: المكاثرة. ولم يذكر هنا في أي شيء كانت المكاثرة، التي ألهتهم.

قال ابن القيم: ترك ذكره، إما لأن المذموم هو نفس التكاثر بالشيء لا المتكاثر به وإما إرادة الإطلاق. 1هـ.

ويعنى رحمة الله بالأول: ذم الهلع، والنهم.

وبالثاني: ليعم كل ما هو صالح للتكاثر به، مال وولد وجاه، وبناه وغراس.

ولم أجد لأحد من المفسرين ذكر نظير لهذه الآية.

ولكنهم اتفقوا على ذكر سبب نزولها في الجملة، من أن حيين تفاخرا بالآباء وأمجاد الأجداد، فعددوا الأحياء، ثم ذهبوا إلى المقابر، وعدَّد كل منهما مالهم من الموتى يفخرون بهم، ويتكاثرون بتعدادهم.

وقيل: في قريش بين بني عبد مناف وبني سهم.

وقيل: في الأنصار.

وقيل: في اليهود وغيرهم، مما يشعر بأن التكاثر كان في مفاخر الآباء.

وقال القرطبي: الآية تعم جميع ما ذكره وغيره.

وسياق حديث الصحيح: " لو أن لابن آدم وادياً من ذهب، لأحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب ".

قال ثابت: عن أنس عن أُبَيّ: كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } [التكاثر: 1].

وكأن القرطبي يشير بذلك، إلى أن التكاثر بالمال أيضاً.

وقد جاءت نصوص من كتاب الله تدل على أن التكاثر الذي ألهاهم، والذي ذمَّهم الله بسببه أو حذَّرهم منه، إنما هو في الجميع، كما في قوله تعالى:ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلأَمْوَالِ وَٱلأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً } [الحديد: 20] - إلى قوله -وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ ٱلْغُرُورِ } [الحديد: 20].

ففيه التصريح: بأن التفاخر والتكاثر بينهم في الأموال والأولاد.

ثم جاءت نصوص أخرى في هذا المعنى كقوله:وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } [الأنعام: 32].

وقوله:وَمَا هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ لَهِيَ ٱلْحَيَوَانُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [العنكبوت: 64].

ولكون الحياة الدنيا بهذه المثابة، جاء التحذير منها والنهي عن أن تلههم، وفي قوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [المنافقون: 9].

وبين تعالى أن ما عند الله للمؤمنين خير من هذا كله في قوله:وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } [الجمعة: 11].

ومما يرجح أن التكاثر في الأموال والأولاد في نفس السورة، ما جاء في آخرها من قوله:

السابقالتالي
2 3