الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ } * { وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } * { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }

{ إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ }. { إذا } اسم زمان مبهم يتعين مقدارهُ بمضمون جملةٍ يضاف إليها هو. فــــ { إذا } اسمُ زمان مطلق، فقد يستعمل للزمن المستقبل غالباً. ولذلك يضمَّن معنى الشرط غالباً، ويكون الفعل الذي تضاف إليه بصيغة الماضي غالباً لإفادة التحقق، وقد يكون مضارعاً كقوله تعالىوهو على جمعهم إذا يشاء قدير } الشورى 29. ويستعمل في الزمن الماضي وحينئذ يتعين أن تقع الجملة بعده بصيغة الماضي، ولا تضمن { إذا } معنى الشرط حينئذ وإنما هي لمجرد الإِخبار دون قصد تعليق نحووإذَا رأوا تجارةً أو لهواً انفضوا إليها } الجمعة 11. و { إذا } هنا مضمنة الشرط لا محالة لوجود الفاء في قوله { فسبح بحمد ربك } وقضية الاستقبال وعدمه تقدمت. والنصر الإِعانة على العدوّ. ونصر الله يعقبه التغلب على العدو. و { الفتح } امتلاك بلد العدوّ وأرضِه لأنه يكون بفتح باب البلد كقوله تعالىادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون } المائدة 23، ويكون باقتحام ثغور الأرض ومحارسها فقد كانوا ينزلون بالأَرضين التي لها شعاب وثغور قال لبيد
وأَجَنَّ عوراتِ الثغور ظَلاَمُها   
وقد فتح المسلمون خيْبر قبل نزول هذه الآية فتعين أن الفتح المذكور فيها فتح آخر وهو فتح مكة كما يشعر به التعريف بلام العهد، وهو المعهود في قوله تعالىإنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك اللَّه ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً وينصرك اللَّه نصراً عزيزاً } الفتح 1 ـــ 3. فإضافة { نصر } إلى { اللَّه } تشعر بتعظيم هذا النصر وأنه نصر عزيز خارق للعادة اعتنى الله بإيجاد أسبابه ولم تجر على متعارف تولد الحوادث عن أمثالها. و { جاء } مستعمل في معنى حصَل وتحقق مجازاً. والتعريف في «الفتح» للعهد وقد وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم به غير مرة من ذلك قوله تعالىإن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد } القصص 85 وقولهلتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللَّه آمنين مُحَلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً } الفتح 27. وهذه الآية نزلت عام الحديبية وذلك قبل نزول سورة { إذا جاء نصر الله } على جميع الأقوال. وقد اتفقت أقوال المفسرين من السلف فمَن بعدهم على أن الفتح المذكور في هذه السورة هو فتح مكة إلا رواية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس هو فتح المدائن والقَصور، يعني الحصون. وقد كان فتح مكة يخالج نفوس العرب كلهم فالمسلمون كانوا يرجونه ويعلمون ما أشار به القرآن من الوعد به وأهل مَكة يتوقعونه وبقية العرب ينتظرون ماذا يكون الحال بين أهل مكة وبين النبي صلى الله عليه وسلم ويتلومون بدخولهم في الإِسلام فتحَ مكة يقولون إنْ ظهر محمد على قومه فهو نبيء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7