الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً }

{ قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ } وقرأ ابن أبـي عبلة والعتكي عن أبـي عمرو وجوية بن عائذ الأسدي (وحى) بلا همزة وهو بمعنى أوحى بالهمز ومنه قول العجاج:
وحى لها القرار / فاستقرت   
وقرأ زيد بن علي وجوية فيما روى عنه الكسائي وابن أبـي عبلة في رواية (أحي) بإبدال واو وحى همزة كما قالوا في وعد أعد، قال الزمخشري ((وهو من القلب المطلق جوازه في كل واو مضمومة، وقد أطلقه المازني في المكسورة أيضاً كإشاح وإعاء وإسادة)) وهذا أحد قولين للمازني والقول الآخر قصر ذلك على السماع وما ذكره من إطلاق الجواز في المضمومة تعقب بأن المضمومة قد تكون أولاً وحشوا وآخراً ولكل منها أحكام وفي بعضها خلاف وتفصيل مذكور في كتب النحو فليراجع. وزاد بعض الأجلة قلب الواو المضموم ما قبلها فقال إنه أيضاً مقيس مطرد وأنه قد يرد ذلك في المفتوحة كأحد وعلى جميع القراآت الجار متعلق بما عنده ونائب الفاعل { أَنَّهُ } الخ على أنه في تأويل المصدر والضمير للشأن.

{ ٱسْتَمَعَ } أي القرآن كما ذكر في الاحقاف وقد حذف لدلالة ما بعده عليه { نَفَرٌ مّنَ ٱلْجِنّ } النفر في المشهور ما بين الثلاثة والعشرة. وقال الحريري في «درته» إن النفر إنما يقع على الثلاثة من الرجال إلى العشرة وقد وهم في ذلك فقد يطلق على ما فوق العشرة في الفصيح وقد ذكره غير واحد من أهل اللغة وفي كلام الشعبـي حدثني بضعة عشر نفراً ولا يختص بالرجال بل ولا بالناس لإطلاقه على الجن هنا. وفي «المجمل» الرهط والنفر يستعمل إلى الأربعين والفرق بينهما أن الرهط يرجعون إلى أب واحد بخلاف النفر وقد يطلق على القوم ومنه قوله تعالىوَأَعَزُّ نَفَراً } [الكهف: 34] وقول امرىء القيس:
فهو لا تنمى رميته   ماله لا عد من نفره
وقال الإمام الكرماني للنفر معنى آخر في العرف وهو الرجل، وأراد بالعرف عرف اللغة لأنه فسر به الحديث الصحيح فليحفظ.

والجن واحده جني كروم ورومي وهم أجسام عاقلة تغلب عليها النارية كما يشهد له قوله تعالى:وَخَلَقَ ٱلْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ } [الرحمن: 15] وقيل الهوائية قابلة جميعها أو صنف منها للتشكل بالأشكال المختلفة من شأنها الخفاء وقد ترى بصور غير صورها الأصلية بل وبصورها الأصلية التي خلقت عليها كالملائكة عليهم السلام وهذا للأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم ومن شاء الله تعالى من خواص عباده عز وجل، ولها قوة على الأعمال الشاقة ولا مانع عقلاً من أن تكون بعض الأجسام اللطيفة النارية مخالفة لسائر أنواع الجسم اللطيف في الماهية ولها قبول لإفاضة الحياة والقدرة على أفعال عجيبة مثلاً، وقد قال أهل الحكمة الجديدة بأجسام لطيفة أثبتوا لها من الخواص ما يبهر العقول فلتكن أجسام الجن على ذلك النحو من الأجسام، وعالم الطبيعة أوسع من أن تحيط بحصر ما أودع فيه الأفهام.

السابقالتالي
2 3