الرئيسية - التفاسير


* تفسير بحر العلوم/ السمرقندي (ت 375 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }

قوله تعالى: { فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } يعني شكاً ونفاقاً وظلمة وضعفاً، لأن المريض فيه فترة ووهن، والشاك أيضاً في أمره فترة وضعف. فعبر بالمرض عن الشك لأن المنافقين فيهم ضعف ووهن، ألا ترى إلى قوله تعالىيَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ } [المنافقون: 4] ويقال: إن المريض تعرض للهلاك، فسمي النفاق مرضاً، لأن النفاق قد يهلك صاحبه [لأن الخلق على مراتب ثلاث، ميت في الأحوال كلها كالكافر وحي في الأحوال كلها كالمؤمن لقوله تعالىأَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ } [الأنعام: 122]، ومريض كالمنافق] ثم قال تعالى { فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضًا } وهذا اللفظ يحتمل معنيين: يحتمل الخبر عن الماضي، ويحتمل الدعاء، فإن كان المراد به الخبر فمعناه: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً إلى مرضهم كما قال في آية أخرىفَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ } [التوبة: 125] لأن كل سورة نزلت يشكون فيها، فكان ذلك المرض [لهم]، وللمؤمنين زيادة اليقين. وإن كان المراد به الدعاء، فمعناه: فزادهم الله مرضاً على مرضهم، على وجه الذم والطرد لهم كما قال في آية أخرىقَـٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ } [التوبة: 30] أو لعنهم الله فإن قيل: كيف يجوز أن يحمل على وجه الدعاء، وإنما يحتاج إلى الدعاء عند العجز قيل له: هذا تعليم من الله تعالى أنه يجوز الدعاء على المنافقين والطرد لهم لأنهم شر خلق الله تعالى، لأنه وعد لهم يوم القيامة الدرك الأسفل من النار. ثم قال { وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ } يعني مؤلم، أي عذاب وجيع الذي يخلص وجعه إلى قلوبهم. قوله { بِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } أي مجازاة لهم بتكذيبهم. قرأ حمزة وابن عامر { فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ } بكسر الزاي، وهي لغة بعض العرب، [وقرأ عاصم وأبو عمرو] (بالفتح) وهي اللغة الظاهرة، وقرأ أهل الكوفة، عاصم وحمزة والكسائي (يكذبون) بتخفيف الذال، وقرأ الباقون بالتشديد. فمن قرأ بالتخفيف فمعناه: بما كانوا يكذبون بقولهم أنهم مؤمنون، وجحدوا في السر لأنهم كفروا بالله، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - في السر. ومن قرأ بالتشديد فمعناه بما كانوا يكذبون، يعني ينسبون محمداً إلى الكذب، ويجحدون نبوته.