الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ }

قوله: { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }: فيه خمسةُ أوجهٍ، أحدُها: أَنْ يتعلَّق بـ " عسير ". الثاني: أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه نعتٌ لـ عسير. الثالث: أنه في موضع نصبٍ على الحالِ من الضميرِ المستكنِّ في " عسير ". الرابع: أن يتعلَّقَ بـ " يَسير " أي: غيرُ يسيرٍ على الكافرين، قاله أبو البقاء، إلاَّ أنَّ فيه تقديمَ معمولِ المضافِ إليه على المضافِ، وهو ممنوعٌ، وقد جَوَّز ذلك بعضُهم إذا كان المضاف " غيرَ " بمعنى النفي كقولِه:
4383ـ إنَّ امرَأً خَصَّني عمْداً مَوَدَّتَه   على التنائي لَعِنْدي غيرُ مَكْفورِ
وتقدَّم تحريرُ هذا آخرَ الفاتحةِ مُشْبَعاً، فعليكَ باعتبارِه ثَمَّة. الخامس: أن يتعلَّق بما دَلَّ عليه " غيرُ يسير " أي: لا يَسْهُلُ على الكافرين. قال الزمخشري: " فإنْ قلتَ فما فائدةُ قولِه: " غيرُ يسير " و " عَسير " مُغْنٍ عنه؟ قلت: لَمَّا قال " على الكافرين " فقَصَرَ العُسْرَ عليهم قال: " غيرُ يَسير " لِيُؤْذَنَ بأنه لا يكونُ عليهم كما يكون على المؤمنين يَسيراً هَيِّناً ليجمعَ بين وعيدِ الكافرين وزيادةِ غَيْظهم وتبشير المؤمنين وتَسْلِيتهم. ويجوز أن يُراد: عسيرٌ لا يُرْجَى أن يَرْجِعَ يسيراً، كما يُرْجى تيسيرُ العسيرِ من أمورِ الدنيا ".

وقوله: { نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ } أي صُوِّتَ يقال: نَقَرْتُ الرجلَ إذا صَوَّتَّ له بلسانِك وذلك بأَنْ تُلْصِقَ لسانَك بنُقْرَة حَنكِكَ. ونَقَرْتُ الرجلَ: إذا خَصَصْتَه بالدعوة، كأنك نَقَرْتَ له بلسانِك مُشيراً إليه، وتلك الدعوةُ يقال لها النَّقَرى، وهي ضدُّ الدعوةِ الجَفَلَى. قال الشاعر:
4384ـ نحن في المَشْتاةِ نَدْعُو الجَفَلَى   لا تَرَى الآدِبَ فينا يَنْتَقِرْ
/ وقال امرؤ القيس:
4385ـ أنا ابنُ ماوِيَّةَ إذْ جَدَّ النُّقُرْ   
يريد: " النَّقْرُ " أي: الصوتُ. وقال أيضاً:
4386ـ أُخَفِّضُه بالنَّقْرِ لَمَّا عَلَوْتُه   ويَرْفَعُ طَرْفاً غيرَ جافٍ غَضِيضٍ
والنَّاقُور: فاعُوْل منه كالجاسوسِ مِنَ التَجَسُّسِ، وهو الشيءُ المُصوَّتُ فيه: وفي التفسير: إنَّه الصُّورُ الذي يَنْفَخُ فيه المَلَكُ. والنَّقْرُ أيضاً: قَرْعُ الشيءِ الصُّلْبِ. والمِنْقارُ: الحَديدةُ التي يُنْقَرُ بها. ونَقَرْتُ عنه: بَحَثْتُ عن أخبارِه، استعارةً من ذلك. ونَقَرْتُه: أَعبْتُه، ومنه قولُ امرأةٍ لزَوْجِها: " مُرَّ بي على بني نَظَرٍ، ولا تَمرَّ بي على بناتِ نَقَرٍ " أرادت ببنين نَظَرٍ الرجالُ؛ لأنهم ينظرون إليها، وببنات نَقَرٍ النساءَ لأنهنَّ يُعِبْنها ويَنْقُرْنَ عن أحوالِها.