الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ }

{ وجعل فيها رواسى } عطف على وخلق داخل فى حكم الصلة. والجعل ابداعى والمراد تقدير الجعل لا الجعل بالفعل والمراد بالرواسى الجبال الثابتة المستقرة وبالفارسية كوههاى بلنديايدار يقال رسا الشىء يرسو ثبت وارساه غيره ومنه المرساة وهو انجر السفينة وقفت على الانجر بالفارسية لنكر { من فوقها } متعلق بجعل او بمضمر هو صفة لرواسى اى كائنة من فوقها مرتفعة عليها لتكون منافعها ظاهرة للطلاب وليظهر للناظر ما فيها من وجوه الاستدلال ولا فالجبال التى اثبتت فوق الارض لا تمنعها عن الميلان ولو كانت تحتها كاساطين الغرف او مركوزة فيها كالمسامير لمنعتها عنه. عن ابن عباس رضى الله عنهما اول ما خلق الله من شىء خلق القلم وقال له اكتب قال يا رب ما اكتب قال اكتب القدر فجرى بما يكون من ذلك الى يوم القيامة ثم خلق النون ثم رفع بخار الماء ففتق منه السماوات ثم بسط الارض على ظهر النون فاضطرب النون فمادت الارض اى مالت فاوتدت بالجبال اى احكمت واثبتت. قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره لما خلق الله الارض على الماء تحركت ومالت فخلق الله من الابخرة الغليظة الكثيفة الصاعدة من الارض بسبب هيجانها الجبال فسكن ميل الارض وذهبت تلك الحركة التى لا يكون معها استقرار فطوّق الارض بجبل محيط بها وهو من صخرة خضراء وطوق الجبل بحية عظيمة رأسها بذنبها رأيت من الابدال من صعد جبل قاف فسألته عن طوله علوا فقال صليت الضحى فى اسفله والعصر فى اعلاه يعنى بخطوة الابدال وهى من المشرق الى المغرب. يقول الفقير لعل هذا من قبيل البسط فى السير الملكوتى والا فما بين السماء والارض كما بين المشرق والمغرب وهى خمسمائة عام على ما قالوا. وعن وهب ان ذا القرنين اتى على جبل قاف فرأى حوله جبالا صغارا فقال ما انت قال انا قاف قال فما هذه الجبال حولك قال هى عروقى وليست مدينة الا وفيها عرق منها فاذا اراد الله ان يزلزل مدينة امرنى فحركت عرقى ذلك فتزلزلت تلك المدينة قال يا قاف اخبرنى بشىء من عظمة الله فقال ان شأن ربنا لعظيم وان من ورائي مسيرة خمسمائة عام من جبال ثلج يحطم بعضها بعضا لولا ذلك لاحرقت من نار جهنم والعياذ بالله منها. وذكر اهل الحكمة ان مجموع ما عرف فى الاقاليم السبعة من الجبال مائة وثمانية وسبعون جبلا منها ما طوله عشرون فرسخا ومنها مائة فرسخ الى الف فرسخ. وفى زهرة الرياض اول جبل نصب على وجه الارض ابو قبيس وعدد الجبال ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جبلا سوى التلول. وجعل الله فى الجبال خصائص منها ان تجر البرودة الى نفسها وجعلها خزائن المياه والثلوج تدفعها بامر الخالق الى الخلق بالمقادير لكل ارض قدر معلوم على حسب استعدادها ومنها خلق الاودية لمنافع العباد واودع فيها انواع المعادن من الذهب والفضة والحديد وانواع الجواهر وهى خزانة الله وحصنه ودليل على قدرته وكمال حكمته وهى سجن الوحوش والسباع ليلا وشرف الله الجبال بعرض الامانة عليها وفيها التسبيح والخوف والخشية وجعلها كراسى انبيائه عليهم السلام كاحد لنبينا والطور لموسى وسرنديب لآدم والجودى لنوح صلوات الله على نبينا وعليهم اجمعين وكفى شرفا بذلك وانها بمنزلة الرجال فى الاكوان يقال للرجل الكامل جبل.

السابقالتالي
2 3 4