الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ }

قوله تعالى { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } ابهم الله تعالى سر ذلك الوحى الخفى على جميع فهوم الخلايق من العرش الى الثرى بقوله ما اوحى لأنه لم يبين اى شئ اوحى الى حبيبه صلى الله عليه وسلم لان بين المحب والمحبوب سراً لا يطلع عليه غيرهما واظن ان لو بين كلمة من تلك الاسرار لجميع الاولين والأخرين لماتوا جميعا من ثقل ذلك الوارد الذى ورد من الحق على قلب عبده احتمل ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوة الربانية ملكوتية لاهويته البس الله اياه ولولا ذلك لم يتحمل ذرة منها لانها انباء عجيبة واسرار أزلية لو ظهرت كلمة منها لتعطلت الاحكام ولفنيت الارواح والاجسام واندرست الرسوم واضمحلت العقول والفهوم والعلوم هكذا رسم العلوم المجهولة التى تنبئ عن عين العشق بين العاشق والمعشوق وذلك فى سره وغيب فى غيب يسقط عند ذلك حكم العبودية لان ذلك محض الانبساط وظهور كشف الكلي وغلبات سيول الرحمة الازلية الواسعة التى تجرى من بحار القدس وانهار الانس وبما نشق الله من نفحات نرجسها ووردها مشام المستنشقين نسائم الوصال وشمال الجمال فيطيرون من الفرح لوجدانها ويضحكون ويبكون ويرقصون ويصبحون من لذة ما وصل اليهم من عرفانها ويسترون تلك الاسرار عن الاغيار كما انشد
لعمرى ما استودعت سرى وسره   سوانا حذاراً ان تشيع السراير
ولاحظته مقلتاى بلحظة   فتشهد نجوانا العيون النواظر
ولكن جعلت الوهم بينى وبينه   رسولا فادى ما تغيب الضمائر
قال جعفر فى قوله فاوحى الى عبده ما اوحى بلا واسطة فيما بينه وبينه سرى الى قلبه لا يعلم به احد سواه بلا واسطة الا فى العقبى حين يعطيه الشفاعة لامته قال الواسطى القى الى عبده ما القى ولم يظهر ما الذى اوحى لانه خصه به وما كان مخصوصا به كان مستورا وما بعثه به الى الخلق كان ظاهرا.