الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ }

قيل: حصل أي أُبرز. قاله ابن عباس.

وقيل: ميز الخير من الشر.

والحاصل من كل شيء ما بقي.

قال لبيد:
وكل امرئ يوماً سيعلم سعيه   إذا حصلت عند الإله الحصائل
والمراد بما في الصدور الأعمال، وهذا كقوله:يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } [الطارق: 9].

ونص على الصدور هنا، مع أن المراد القلوب، لأنها هي مناط العمل ومعقد النية.

والعقيدة وصحة الأعمال كلها مدارها على النية، كما في حديث: " إنما الأعمال بالنيات " وحديث: " ألا أن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله " الحديث.

وقال الفخر الرازي: خصص القلب بالذكر، لأنه محل لأصول الأعمال.

ولذا ذكره في معرض الذم، فإنهآثِمٌ قَلْبُهُ } [البقرة: 283]، وفي معرض المدحوَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [الأنفال: 2].

ويشهد لما قاله قوله:إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء: 89].

وقوله:ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ } [البقرة: 74].

وقال:ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ } [الزمر: 23].

وقوله:أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [الرعد: 28]، ونحو ذلك.

ومما يدل على أن المراد بالصدور ما فيها هو القلب.

قوله:فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [الحج: 46].

وقال الفخر الرازي: نص على الصدور ليشمل الخير والشر، لأن القلب محل الإيمان.

والصدر هو محل الوسوسة لقوله تعالى:ٱلَّذِى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ } [الناس: 5].

وهذا وإن كان وجيهاً، لأن محل الوسوسة أيضاً هو القلب، فيرجع إلى المعنى الأول والله أعلم.