الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }

المرض بفتح الراء كما قرأ الجمهور، وبسكونها كما قرأ الأصمعي عن أبـي عمر وعلى ما ذهب إليه أهل اللغة حالة خارجة عن الطبع ضارة بالفعل، وعند الأطباء ما يقابل الصحة وهي الحالة التي تصدر عنها الأفعال سليمة، والمراد من الأفعال ما هو متعارف وهي إما طبيعية كالنمو أو حيوانية كالنفس أو نفسانية كجودة الفكر، فالحول والحدب مثلاً مرض عندهم دون أهل اللغة وقد يطلق المرض لغة على أثره وهو الألم كما قاله جمع ممن يوثق بهم، وعلى الظلمة كما في قوله:
في ليلة مرضت من كل ناحية   فما يحس بها نجم ولا قمر
وعلى ضعف القلب وفتوره كما قاله غير واحد ويطلق مجازاً على ما يعرض المرء مما يخل بكمال نفسه كالبغضاء والغفلة وسوء العقيدة والحسد وغير ذلك من موانع الكمالات المشابهة لاختلال البدن المانع عن الملاذ والمؤدية إلى الهلاك الروحاني الذي هو أعظم من الهلاك الجسماني، والمنقول عن ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقتادة وسائر السلف الصالح حمل المرض في الآية على المعنى المجازي. ولا شك أن قلوب المنافقين كانت ملأى من تلك الخبائث التي منعتهم مما منعتهم وأوصلتهم إلى الدرك الأسفل من النار. ولا مانع عند بعضهم أن يحمل المرض أيضاً على حقيقته الذي هو الظلمةوَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [النور: 40]وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَـٰتِ } [البقرة: 257] وكذا على الألم فإن في قلوب أولئك ألماً عظيماً بواسطة شوكة الإسلام وانتظام أمورهم غاية الانتظام، فالآية على هذا محتملة للمعنيين ونصب القرينة المانعة في المجاز إنما يشترط في تعيينه دون احتماله فإذا تضمن نكتة ساوى الحقيقة فيمكن الحمل عليهما نظراً إلى الأصالة والنكتة إلا أنه يرد هنا أن الألم مطلقاً ليس حقيقة المرض بل حقيقته الألم لسوء المزاج وهو مفقود في المنافقين والقول بأن حالهم التي هم عليها تفضي إليه في غاية الركاكة على أن قلوب أولئك لو كانت مريضة لكانت أجسامهم كذلك أو لكان الحِمام عاجلهم ويشهد لذلك الحديث النبوي والقانون الطبـي، أما الأول: فلقوله صلى الله عليه وسلم: " إن في الجسد مضغة " الحديث، وأما الثاني: فلأن الحكماء بعد أن بينوا تشريح القلب قالوا إذا حصلت فيه مادة غليظة فإن تمكنت منه ومن غلافه أو من أحدهما عاجلت المنية صاحبه وإن لم تتمكن تأخرت الحياة مدة يسيرة ولا سبيل إلى بقائها مع مرض القلب، فالأولى دراية ورواية حمله على المعنى المجازي ـ ومنه الجبن والخور ـ وقد داخل ذلك قلوب المنافقين حين شاهدوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ما شاهدوا.

السابقالتالي
2 3 4 5