الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ جَآءُوكُمْ مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ }

{ إِذْ جَاءوكُمْ } بدل منإِذ جَاءتْكُمُ } [الأحزاب: 9] بدل كل من كل، وقيل: هو متعلق بتعملون أو ببصيراً { مِنْ فَوْقِكُمْ } من أعلى الوادي من جهة المشرق والإضافة إليهم لأدنى ملابسة، والجائي من ذلك بنو غطفان ومن تابعهم من أهل نجد وبنو قريظة. وبنو النضير { وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ } من أسفل الوادي من قبل المغرب، والجائي من ذلك قريش ومن شايعهم من الأحابيش وبني كنانة وأهل تهامة، وقيل: الجائي من فوق بنو قريظة ومن أسفل قريش وأسد وغطفان وسليم، وقيل: غير ذلك. ويحتمل أن يكون من فوق ومن أسفل كناية عن الإحاطة من جميع الجوانب كأنه قيل: إذ جاءوكم محيطين / بكم كقوله تعالى:يَغْشَـٰهُمُ ٱلْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } [العنكبوت: 55].

{ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَـٰرُ } عطف على ما قبله داخل معه في حكم التذكير أي حين مالت الأبصار عن سننها وانحرفت عن مستوى نظرها حيرة ودهشة. وقال الفراء: أي حين مالت عن كل شيء فلم تلتفت إلا إلى عدوها { وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ } أي خافت خوفاً شديداً وفزعت فزعاً عظيماً لا أنها تحركت عن موضعها وتوجهت إلى الحناجر لتخرج. أخرج ابن أبـي شيبة عن عكرمة أنه قال في الآية: إن القلوب لو تحركت وزالت خرجت نفسه ولكن إنما هو الفزع فالكلام على المبالغة، وقيل: القلب عند الغضب يندفع وعند الخوف يجتمع فيتقلص فيلتصق بالحنجرة وقد يفضي إلى أن يسد مخرج النفس فلا يقدر المرء أن يتنفس ويموت خوفاً، وقيل: إن الرئة تنتفع من شدة الفزع والغضب والغم الشديد وإذا انتفخت ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة، ومن ثم قيل للجبان: انتفخ سحره، وإلى حمل الكلام على الحقيقة ذهب قتادة. أخرج عنه عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبـي حاتم أنه قال في الآية: أي شخصت عن مكانها فلولا أنه ضاق الحلقوم عنها أن تخرج لخرجت، وفي «مسند الإمام أحمد» عن أبـي سعيد الخدري قال: قلنا يا رسول الله هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر؟ قال: نعم اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا قال: فضرب الله تعالى وجوه أعدائه بالريح فهزمهم الله تعالى بالريح.

والخطاب في قوله تعالى: { وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } لمن يظهر الإيمان على الإطلاق، والظنون جمع الظن وهو مصدر شامل للقليل والكثير، وإنما جمع للدلالة على تعدد أنواعه، وقد جاء كذلك في أشعارهم أنشد أبو عمرو في كتاب «الألحان»:
إذا الجوزاء أردفت الثريا   ظننت بآل فاطمة الظنونا
أي تظنون بالله تعالى أنواع الظنون المختلفة فيظن المخلصون منكم الثابتون في ساحة الإيمان أن ينجز سبحانه وعده في إعلاء دينه ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويعرب عن ذلك ما سيحكي عنهم من قولهم:

السابقالتالي
2