الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

{ قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ } أي ما يوحى إلي من القرآن، وقيل: الضمير للرسول، وفيه أن الظاهر لو كان المعنى عليه كنت { مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } لا سحراً ولا مفترى كما تزعمون { وَكَفَرْتُمْ بِهِ } الواو للحال والجملة حال بتقدير قد على المشهور من الضمير في الخبر وسطت بين أجزاء الشرط اهتماماً بالتسجيل عليهم بالكفر أو للعطف على { كَانَ } كما في قوله تعالى:قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ } [فصلت: 52] وكذا الواو في قوله تعالى: { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِي إِسْرٰءيلَ } إلا أنها تعطفه بماعطف عليه على جملة ما قبله، فالجمل المذكورات بعد الواوات ليست متعاطفة على نسق واحد بل مجموع { شَهِدَ } { فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ } معطوف على مجموع { كَانَ } وما معه، مثله في المفرداتهُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلأَخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلْبَـٰطِنُ } [الحديد: 3] والمعنى أن اجتمع كونه من عند الله تعالى مع كفركم واجتمع شهادة الشاهد فإيمانه مع استكباركم عن الإيمان، وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام في جواب الشرط وفي مفعولي { أَرَأيْتُمْ } وضمير { بِهِ } عائد على ما عاد عليه اسم (كان) وهو ما يوحي من القرآن أو الرسول، وعن الشعبـي أنه للرسول، ولعله يقول في ضمير { كَانَ } أيضاً كذلك وكذا في ضمير { عَلَىٰ مِثْلِهِ } لئلا يلزم التفكيك. وأنت تعلم أن الظاهر رجوع الضمائر كلها للقرآن، وتنوين { شَاهِدٌ } للتفخيم، وكذا وصفه بالجار والمجرور أي وشهد شاهد عظيم الشأن من بني إسرائيل الواقفين على شؤن الله تعالى وأسرار الوحي بما أوتوا من التوراة على مثل القرآن من المعاني المنطوية في التوراة من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك فإنها في الحقيقة عين ما فيه كما يعرب عنه قوله تعالى:وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ } [الشعراء: 196] على وجه، وكذا قوله سبحانه:إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } [الأعلى: 18] والمثلية باعتبار تأديتها بعبارات أخرى أو على مثل ما ذكر من كونه من عند الله تعالى والمثلية لما ذكر، وقيل: على مثل شهادته أي لنفسه بأنه من عند الله تعالى كأنه لإعجازه يشهد لنفسه بذلك، وقيل (مثل) كناية عن القرآن نفسه للمبالغة، وعلى تقدير كون الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم فسر المثل بموسى عليه السلام.

/ والفاء في قوله تعالى: { فَآمَنَ } أي بالقرآن للسببية فيكون إيمانه مترتباً على شهادته له بمطابقته للوحي، ويجوز أن تكون تفصيلية فيكون إيمانه به هو الشهادة له، والمعنى على تقدير أن يراد فآمن بالرسول صلى الله عليه وسلم ظاهر بأدنى التفاوت، وقوله تعالى: { وَٱسْتَكْبَرْتُمْ } أي عن الإيمان معطوف على ما أشرنا إليه { شَهِدَ شَاهِدٌ } وجوز كونه معطوفاً على { آمن } لأنه قسيمه ويجعل الكل معطوفاً على الشرط، ولا تكرار في { ٱسْتَكْبَرْتُمْ } لأن الاستكبار بعد الشهادة والكفر قبلها.

السابقالتالي
2 3 4