الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

وقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ } عطف عند الأكثرين أيضاً علىالْمُهَـٰجِرِينَ } [الحشر: 8]، والمراد بهؤلاء قيل: الذين هاجروا حين قوي الإسلام، فالمجيء حسي وهو مجيئهم إلى المدينة، وضمير { مّن بَعْدِهِمْ } للمهاجرين الأولين، وقيل: هم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة، فالمجيء إما إلى الوجود أو إلى الإيمان وضمير { مّن بَعْدِهِمْ } للفريقين المهاجرين والأنصار، وهذا هو الذي يدل عليه كلام عمر رضي الله تعالى عنه وكلام كثير من السلف كالصريح فيه، فالآية قد استوعبت جميع المؤمنين.

وجملة قوله تعالى: { يَقُولُونَ } الخ حالية، وقيل: استئناف. { رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوٰنِنَا } أي في الدين الذي هو أعز وأشرف عندهم من النسب { ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإَيمَـٰنِ } وصفوهم بذلك اعترافاً بفضلهم { وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ } أي حقداً، وقرىء غمراً { لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } على الإطلاق { رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ } أي مبالغ في الرأفة والرحمة، فحقيق بأن تجيب دعاءنا.

وفي الآية حث على الدعاء للصحابة وتصفية القلوب من بغض أحد منهم، وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وجماعة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبـي صلى الله عليه وسلم فسبوهم ثم قرأت هذه الآية { وَٱلَّذِينَ جَاءوا } الخ. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه سمع رجلاً وهو يتناول بعض المهاجرين فدعاه / فقرأ عليهلِلْفُقَرَاء الْمُهَـٰجِرِينَ } [الحشر: 8] الآية، ثم قال: هؤلاء المهاجرون أفمنهم أنت؟ قال: لا، ثم قرأ عليهوَٱلَّذِينَ تَبَوَّءوا ٱلدَّارَ وَٱلإيمَـٰنَ } [الحشر: 9] الآية، ثم قال: هؤلاء الأنصار أفمنهم أنت؟ قال: لا. ثم قرأ عليه { وَٱلَّذِينَ جَاءوا مِن بَعْدِهِمْ } الآية، ثم قال: أفمن هؤلاء أنت؟ قال: أرجو، قال: لا والله ليس من هؤلاء من سب هؤلاء. وفي رواية أن ابن عمر رضي الله تعالى عنه بلغه أن رجلاً نال من عثمان رضي الله تعالى عنه فدعاه فقرأ عليه الآيات وقال له ما قال. وقال الإمام مالك: من كان له في أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم قول سيء أو بغض فلا حظَّ له في الفىء أخذاً من هذه الآية.

وفيها ما يدل على ذم الغل لأحد من المؤمنين، وفي حديث أخرجه الحكيم الترمذي والنسائي عن أنس رضي الله تعالى عنه " أن النبـي صلى الله عليه وسلم قال: في أيام ثلاثة يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلع فيها رجل من الأنصار فبات معه عبد الله بن عمرو بن العاص ثلاث ليال مستكشفاً حاله فلم ير له كثير عمل فأخبره الخبر فقال له: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي غلاً لأحد من المسلمين ولا أحسده على خير أعطاه الله تعالى إياه فقال له عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق ـ وفي رواية ـ أنه قال: لو كانت الدنيا لي فأخذت مني لم أحزن عليها ولو أعطيتها لم أفرح بها وأبيت وليس في قلبـي غل على أحد فقال عبد الله: لكني أقوم الليل وأصوم النهار ولو وهبت لي شاة لفرحت بها ولو ذهبت لحزنت عليها والله لقد فضلك الله تعالى علينا فضلاً بيناً "

السابقالتالي
2 3