الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ }

{ وَجَعل } قيل العطف على خلق، وفيه الفصل بجملتين مشوشا للذهن، مورثا لصعوبة فهم معنى الأصل، ولو كان قوله: { وتجعلون } الخ بمنزلة لتكفرون بالذى خلق الخ فهما كواحدة، وقوله:ذلك رب العالمين } [فصلت: 9] مؤكد لمضمون الكلام، كما رأيت فى تفسيره آنفا، والأقرب العطف على محذوف أى خلقها وجعل { فيها رَواسِيَ } جبالا راسية أى ثابتة { مِنْ فَوقها } متعلق بجعل، أو نعت لرواسى، أو لمنعوته، وانما صح النعت على طريق قولك: ان الرواسى الثابتة من فوقها، هو جعلها وفائدته قوله: " من فوقها " أنها فوقها لا تحتها، كالعمد لها، ولا مغرورة فيها كالمسامير، ليتوصل بارتفاعها الى مصالح واعتبارات، وغرز بعض أسفلها لا ينافى أنها من فوقها لقلته، فانها أنزلت الجبال تعد خلق الأرض، وغرز قليل من أسفلها أو دفن.

{ وباركَ فيهَا } كثر خيرها بالانبات، وخلق المعادن والجواهر والحيوان، ومنه الانسان { وقَدَّر فيها أقْواتها } جعل الأقوات مقادير مخصوصة، وأضافها لضمير الأرض، لأنها فى الأرض أويقدر مضاف، أى أقوات أهلها، وقيل الأقوات الأمطار والمياه، فانها قوت للأرض تشربها، فتلد الثمار النافعة، وما ينتفع به مما تأكيل الدواب والخشب والحطب، وعن عكرمة أنها ما خص به كل اقليم من الملابس والمطاعم والمشارب والبنات، مما تعمر به الأرض، كما قرىء: { وقسم فيها أقواتها } وقيل: خلق فى كل بلدة ما لم يجعل فى الأخرى لنتفعوا بالتجر، وقيل: قدر البر لأهل أرض، والتمر لأهل أرض، والذرة لأهل أرض، والسمك لأهل أرض.

{ في أرْبعةِ أيَّامٍ } متعلق بقدر على مذهب أبى حنيفة فى القيدين متعاطفين، أو متعاطفات أنه يعود الى الاخير، والذى يظهر أنه للكل، لأن عاملها واحد حتى يدل دليل على تخصيص، ويجعل ذلك من باب الحذف، أو من التنازع، واذا لم يصلح العامل لكل على حدة قدر ما يعم، مثل أن يقدر هنا حصل مجموع ذلك فى أربعة أيام، ثم رأيته قولا للشافعى، قال الله تعالى:خلق الأرض في يومين } [فصلت: 9] ثم قال: { وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام } ثم قال:فقضاهن سبع سماوات في يومين } [فصلت: 12] وخالف ظاهر ذلك قوله تعالى فى آية أخرى:في ستة أيام } [الأعراف: 54] الجواب قيل: ان المراد فى تتمة أربعة أيام، وتتمتها يومان، وإلا كانت الأيام ثمانية، وانما هى ستة بزيادة يومين على أربعة، ومثل لذلك بقولك: سرت من البصرة الى بغداد فى عشرة أيام والى الكوفة فى خسمة عشر، تريد تتمة عشرة كذا قيل، وهو تخليط، وانما الجواب ما يجىء بعد ان شاء الله تعالى.

وعبارة بعض فى أربعة ايام مع اليومين الأولين المذكورين قبل، ففى المثال خمسة عشر بعد العشرة المذكورة.

السابقالتالي
2