الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ }

قوله تعالى: { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ } قال قَتَادة: يريد السَّرير، وقد تقدّمت محامله وقد يُعبر بالعرش عن المُلْك والمَلِك نفسه ومنه قول النابغة الذِّبْيَانيّ:
عُـروشٌ تَفانَـوْا بعـد عِـزٍّ وأَمْنـةٍ   
وقد تقدّم. قوله تعالى: { وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً }. فيه ثلاث مسائل: الأولى: قوله تعالى: { وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } الهاء في «خَرُّوا لَهُ» قيل: إنها تعود على الله تعالى المعنى: وخرّوا شكراً لله سجداً ويوسف كالقِبْلة لتحقيق رؤياه، وروي عن الحسن قال النَّقاش: وهذا خطأ والهاء راجعة إلى يوسف لقوله تعالى في أوّل السورة: «رَأَيْتُهُمْ ليِ سَاجِدِينَ». وكان تحيتهم أن يسجد الوضيع للشريف، والصغير للكبير سجد يعقوب وخالته وإخوته ليوسف عليه السلام، فاقشعرّ جلده وقال: «هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ» وكان بين رؤيا يوسف وبين تأويلها ٱثنتان وعشرون سنة. وقال سلمان الفارسيّ وعبد الله بن شَدّاد: أربعون سنة قال عبد الله بن شَدّاد: وذلك آخر ما تبطىء الرؤيا. وقال قَتَادة: خمس وثلاثون سنة. وقال السدّي وسعيد بن جُبير وعِكرمة: ست وثلاثون سنة. وقال الحسن وجِسْر بن فَرْقَد وفُضَيل بن عِيَاض: ثمانون سنة. وقال وهب بن مُنَبِّه: أُلقي يوسف في الجُبِّ وهو ابن سبع عشرة سنة، وغاب عن أبيه ثمانين سنة، وعاش بعد أن التقى بأبيه ثلاثاً وعشرين سنة، ومات وهو ٱبن مائة وعشرين سنة. وفي التوراة مائة وست وعشرون سنة. وولد ليوسف من ٱمرأة العزيز إفراثيم ومنشا ورحمة ٱمرأة أيوب. وبين يوسف وموسى أربعمائة سنة. وقيل: إن يعقوب بقي عند يوسف عشرين سنة، ثم توفي صلى الله عليه وسلم. وقيل: أقام عنده ثماني عشرة سنة. وقال بعض المحدّثين: بضعاً وأربعين سنة وكان بين يعقوب ويوسف ثلاث وثلاثون سنة حتى جمعهم الله. وقال ابن إسحق: ثماني عشرة سنة، والله أعلم. الثانية: قال سعيد بن جُبير عن قَتَادة عن الحسن ـ في قوله: «وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً» ـ قال: لم يكن سجوداً، لكنه سنة كانت فيهم، يُومِئون برؤوسهم إيماء، كذلك كانت تحيتهم. وقال الثّوري والضحّاك وغيرهما: كان سجوداً كالسجود المعهود عندنا، وهو كان تحيتهم. وقيل: كان ٱنحناء كالركوع، ولم يكن خروراً على الأرض، وهكذا كان سلامهم بالتَّكفِّي والانحناء، وقد نسخ الله ذلك كله في شرعنا، وجعل الكلام بدلاً عن الانحناء. وأجمع المفسِّرون أن ذلك السجود على أي وجه كان فإنما كان تحية لا عبادة قال قَتَادة: هذه كانت تحية الملوك عندهم وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة. قلت: هذا الانحناء والتَّكفِّي الذي نُسخ عنا قد صار عادة بالديار المصرية، وعند العجم، وكذلك قيام بعضهم إلى بعض حتى أن أحدهم إذا لم يقم له وجد في نفسه كأنه لا يؤُبه به، وأنه لا قدر له وكذلك إذا ٱلتقوا ٱنحنى بعضهم لبعض، عادة مستمرة، ووراثة مستقرة لا سيما عند التقاء الأمراء والرؤساء.

السابقالتالي
2 3 4