الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشاف/ الزمخشري (ت 538 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ }

إن جعلت { للَّهِ شُرَكَاء } مفعولي جعلوا، نصبت الجنّ بدلاً من شركاء، وإن جعلت { للَّهِ } لغواً كان { شُرَكَاء ٱلْجِنَّ } مفعولين قدم ثانيهما على الأول. فإن قلت فما فائدة التقديم؟ قلت فائدته استعظام أن يتخذ لله شريك مَن كان ملكاً أو جنياً أو إنسياً أو غير ذلك. ولذلك قدّم اسم الله على الشركاء. وقرىء «الجن» بالرفع، كأنه قيل من هم؟ فقيل الجن. وبالجرّ على الإضافة التي للتبيين. والمعنى أشركوهم في عبادته، لأنهم أطاعوهم كما يطاع الله. وقيل هم الذين زعموا أنّ الله خالق الخير وكل نافع، وإبليس خالق الشر وكل ضارّ { وَخَلَقَهُمْ } وخلق الجاعلين لله شركاء. ومعناه وعلموا أن الله خالقهم دون الجن، ولم يمنعهم علمهم أن يتخذوا من لا يخلق شريكاً للخالق. وقيل الضمير للجن. وقرىء «وخلقهم»، أي اختلاقهم الإفك، يعني وجعلوا لله خلقهم حيث نسبوا قبائحهم إلى الله في قولهموَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } الأعراف 28، { وَخَرَقُواْ لَهُ } وخلقوا له، أي افتعلوا له { بَنِينَ وَبَنَاتٍ } وهو قول أهل الكتابين في المسيح وعزير، وقول قريش في الملائكة يقال خلق الإفك وخرقه واختلفه واخترقه، بمعنى وسئل الحسن عنه فقال كلمة عربية كانت العرب تقولها كان الرجل إذا كذب كذبة في نادي القوم يقول له بعضهم قد خرقها والله، ويجوز أن يكون من خرق الثوب إذا شقه، أي اشتقوا له بنين وبنات، وقرىء «وخرّقوا» بالتشديد للتكثير، لقوله { بَنِينَ وَبَنَاتٍ } وقرأ ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما «وحرّفوا» له، بمعنى وزوّروا له أولاداً لأنّ المزوّر محرّف مغير للحق إلى الباطل { بِغَيْرِ عِلْمٍ } من غير أن يعلموا حقيقة ما قالوه من خطأ أو صواب، ولكن رمياً بقول عن عمى وجهالة. من غير فكر وروية.