الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ }

هذا رد على المشركين، الذين عبدوا مع الله غيره، وأشركوا في عبادته، أن عبدوا الجن، فجعلوهم شركاء له في العبادة، تعالى الله عن شركهم وكفرهم. فإن قيل فكيف عبدت الجن، مع أنهم إنما كانوا يعبدون الأصنام؟ فالجواب أنهم ما عبدوها، إلا عن طاعة الجن، وأمرهم إياهم بذلك، كقولهإِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَـٰثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَـٰناً مَّرِيداً لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً وَلأَضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلأَنْعَـٰمِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَـٰنَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلاَّ غُرُوراً } النساء117-120 وكقوله تعالى { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِى } الآية. وقال إبراهيم لأبيهيٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَـٰنَ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ عَصِيّاً } مريم 44 وكقولهأَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِىۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَـٰنَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ ٱعْبُدُونِى هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } يس60-61 وتقول الملائكة يوم القيامةسُبْحَـٰنَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ٱلْجِنَّ أَكْـثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ } سبأ 41 ولهذا قال تعالى { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ } أي وقد خلقهم، فهو الخالق وحده لا شريك له، فكيف يعبد معه غيره، كقول إبراهيمأَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } الصافات 95 - 96 ومعنى الآية، أنه سبحانه وتعالى هو المستقل بالخلق وحده، فلهذا يجب أن يفرد بالعبادة، وحده لا شريك له، وقوله تعالى { وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } ينبه به تعالى عن ضلال من ضل، في وصفه تعالى بأن له ولداً كما يزعم من قاله من اليهود في عزير، ومن قال من النصارى في عيسى، ومن قال من مشركي العرب في الملائكة إنها بنات الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. ومعنى وخرقوا أي اختلقوا وائتفكوا، وتخرصوا وكذبوا كما قاله علماء السلف قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وخرقوا يعني تخرصوا، وقال العوفي عنه { وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } قال جعلوا له بنين وبنات، وقال مجاهد { وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ } قال كذبوا، وكذا قال الحسن، وقال الضحاك وضعوا، وقال السدي قطعوا، قال ابن جرير وتأويله إذاً وجعلوا لله الجن شركاء في عبادتهم إياهم، وهو المنفرد بخلقهم بغير شريك ولا معين ولا ظهير، { وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } بحقيقة ما يقولون، ولكن جهلاً بالله وبعظمته، فإنه لا ينبغي لمن كان إلهاً أن يكون له بنون وبنات، ولا صاحبة، ولا أن يشركه في خلقه شريك، ولهذا قال { سُبْحَـٰنَهُ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ } أي تقدس وتنزه وتعاظم عما يصفه هؤلاء الجهلة الضالون من الأولاد والأنداد والنظراء والشركاء.