الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً }

يقول تعالى { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى ٱلأَرْضِ } أي سافرتم في البلاد، كما قال تعالىعَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى ٱلأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } المزمل 20 الآية. وقوله { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ } أي تخففوا فيها، إما من كميتها بأن تجعل الرباعية ثنائية كما فهمه الجمهور من هذه الآية، واستدلوا بها على قصر الصلاة في السفر على اختلافهم في ذلك، فمن قائل لا بد أن يكون سفر طاعة من جهاد، أو حج، أو عمرة، أو طلب علم، أو زيارة، وغير ذلك، كما هو مروي عن ابن عمر وعطاء، ويحكى عن مالك في رواية عنه نحوه لظاهر قوله { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } ، ومن قائل لا يشترط سفر القربة، بل لا بد أن يكون مباحاً، لقولهفَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ } المائدة 3 الآية، كما أباح له تناول الميتة مع الاضطرار، بشرط أن لا يكون عاصياً بسفره، وهذا قول الشافعي وأحمد وغيرهما من الأئمة، وقد قال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال جاء رجل فقال يا رسول الله، إني رجل تاجر أختلف إلى البحرين، فأمره أن يصلي ركعتين، وهذا مرسل، ومن قائل يكفي مطلق السفر، سواء كان مباحاً أو محظوراً، حتى لو خرج لقطع الطريق وإخافة السبيل، ترخص لوجود مطلق السفر، وهذا قول أبي حنيفة والثوري وداود لعموم الآية، وخالفهم الجمهور. وأما قوله تعالى { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } فقد يكون هذا خرج مخرج الغالب حال نزول هذه الآية، فإن في مبدأ الإسلام بعد الهجرة كان غالب أسفارهم مخوفة، بل ما كانوا ينهضون إلا إلى غزو عام، أو في سرية خاصة. وسائر الأحيان حرب للإسلام وأهله، والمنطوق إذا خرج مخرج الغالب، أو على حادثة، فلا مفهوم له، كقوله تعالىوَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } النور 33، وكقوله تعالىوَرَبَائِبُكُمُ ٱللَّـٰتِى فِى حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ } النساء 23 الآية، وقال الإمام أحمد حدثنا ابن إدريس، حدثنا ابن جريج عن ابن أبي عمار، عن عبد الله بن رابية، عن يعلى بن أمية، قالت سألت عمر بن الخطاب قلت له قوله { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } وقد أمن الناس؟ فقال لي عمر رضي الله عنه عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال " صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته " وهكذا رواه مسلم وأهل السنن من حديث ابن جريج عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، به. وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.

السابقالتالي
2 3 4