الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً }

قوله تعالى: { أَن تَقْصُرُواْ }: هذا على حذفِ الخافض أي: في أَنْ تَقْصُروا، فيكونُ في محلِّ " أَنْ " الوجهان المشهوران، وهذا الجارُّ يتعلقُ بلفظِ " جُناح " أي: فليس عليكم جُناحٌ في قَصْرِ الصلاة. والجمهور على " تَقْصُروا " من " قَصَر " ثلاثياً. وقرأ ابن عباس: " تُقْصِروا " من " أَقْصر " وهما لغتان: قَصَر وأقصر، حكاهما الأزهري، وقرأ الضبي عن رجاله بقراءة ابن عباس. وقرأ الزهري: " تُقَصِّروا " مشدداً على التكثير. قوله: { مِنَ ٱلصَّلاَةِ } في " مِنْ " وجهان، أظهرُهما: أنها تبعيضيةٌ، وهذا معنى قول أبي البقاء وزعم أنه مذهبُ سيبويه وأنها صفةٌ لمحذوفٍ تقديرُه: شيئاً من الصلاة. والثاني: أنها زائدةٌ وهذا رأي الأخفش فإنه لا يشترط في زيادتِها شيئاً. و " أن يَفْتِنَكم " مفعول " خِفْتم " وقرأ عبد الله بن مسعود وأبي: " من الصلاة أن يَفْتنكم " بإسقاط الجملة الشرطية، و " أَنْ يفْتنكم " على هذه القراءة مفعولٌ من اجله، ولغةُ الحجاز " فَتَن " ثلاثياً، وتميم وقيس: " أفتن " رباعياً.

و " لكم " متعلقٌ بمحذوف؛ لأنه حالٌ من " عَدُوّاً " فإنه في الأصل صفةُ نكرةٍ ثم قُدِّم عليها، وأجاز أبو البقاء أن يتعلَّق بـ " كان " ، وفي المسألةِ خلافٌ مرَّ تفصيلُه. وأفرد " عَدُواً " وإن كان المرادُ به الجمعَ لِما تقدَّم تحقيقُه في البقرة، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ يدل عليه ما قبله. وقيل: الكلامُ تَمَّ عند قولِه { مِنَ ٱلصَّلاَةِ } ، والجملةُ الشرطيةُ مستأنفةٌ، حتى قيل: إنها نزلت بعد سنةٍ من نزول ما قبلها، وحينئذ فجوابُه أيضاً محذوفٌ، لكن يُقَدَّرُ مِنْ جنس ما بعده، وهذا قولٌ ضعيفٌ، وتأخيرُ نزولها لا يقتضي استئنافاً.