الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

{ يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء } هو اسمُ جمعٍ على رأي الخليل وسيبويه وجمهور البصريـين، كطرفاء وقصباء أصله شيآء بهمزتين بـينهما ألف، فقُلبت الكلمة بتقديم لامها على فائها فصار وزنها لفعاء، ومُنعت الصرفَ لألف التأنيث الممدودة، وقيل: هو جمع شيْء على أنه مخفف من شيِّـيء كهَيْنٍ مخففٌ من هيِّن، والأصل أشْيِئاء كأهوناء بزنة أفعِلاء، فاجتمعت همزتان لام الكلمة والتي للتأنيث، إذ الألف كالهمزة فخففت الكلمة بأن قلبت الهمزة الأولى ياء لانكسار ما قبلها فصارت أشياء وزنها أفلاء، ونعت الصرف لألف التأنيث، وقيل: إنما حذفت من أشيِـياءَ الياءُ المنقلبةُ من الهمزة التي هي لام الكلمة وفُتحت الياء المكسورة لتسلم ألف الجمع فوزنها أفعاء، وقوله تعالى: { إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } صفةٌ لأشياء داعيةٌ إلى الانتهاء عن السؤال عنها، وحيث كانت المَساءةُ في هذه الشرطية معلقةً بإبدائها لا بالسؤال عنها عُقّبت بشرطية أخرى ناطقةٍ باستلزام السؤال عنها لإبدائها الموجِبِ للمحذور قطعاً، فقيل: { وإِن تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ ينزَلُ القُرْآن تُبْدَ لَكُم } أي تلك الأشياء الموجِبة للمَساءة بالوحي كما ينبىء عنه تقيـيدُ السؤال بحينِ التنزيل، والمراد بها ما يشُق عليهم ويغمُهم من التكاليف الصعبة التي لا يطيقونها، والأسرارِ الخفية التي يفتضحون بظهورها، ونحوُ ذلك مما لا خير فيه، فكما أن السؤال عن الأمور الواقعة مستَتْبِعٌ لإبدائها كذلك السؤالُ عن تلك التكاليف مستتبعٌ لإيجابها عليهم بطريق التشديد لإساءتهم الأدب، واجترائِهم على المسألة والمراجعة، وتجاوزِهم عما يليق بشأنهم من الاستسلام لأمر الله عز وجل من غير بحث فيه ولا تعرّضٍ لكيفيته وكمِّيته، أي لا تُكثروا مُساءلةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عما لا يَعْنيكم من نحو تكاليفَ شاقةٍ عليكم إن أفتاكم بها وكلفكم إياها حسبما أُوحيَ إليه لم تطيقوها، ونحوِ بعضِ أمورٍ مستورة تكرهون بُروزَها، وذلك مِثلُ ما رُوي " عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال: خطبنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فحمِد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: " إن الله تعالى كتَب عليكم الحجَّ " فقام رجل من بني أسدٍ يقال لهُ: عُكاشةُ بنِ مِحْصَنٍ، وقيل: سُراقة بنُ مالك، فقال: أفي كل عامٍ يا رسول الله؟ فأعرضَ عنه حتى أعاد مسألتَه ثلاثَ مرات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ويحك وما يُؤْمِنُك أن أقول نعم؟ والله لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبتْ ما استطعتم، ولو تركتم لكفرتم، فاترُكوني ما تركتكم. فإنما هلَك من كان قبلَكم بكثرة سؤالِهم واختلافِهم على أنبـيائهم، فإذا أمرتُكم بأمر فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتُكم عن شيء فاجتنبوه " ومِثلُ ما رُوي عن أنسٍ وأبـي هريرة رضي الله عنهما،

السابقالتالي
2 3