الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ }

{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ } أي بعضاً عظيماً منه ـ فمن ـ للتبعيض ويبعد القول بزيادتها أو جعلها لبيان الجنس والتعظيم من مقتضيات المقام، وبعضهم قدر عظيماً في النظم الجليل على أن مفعول به كما نقل أبو البقاء وليس بشيء، والظاهر أنه أراد من ذلك البعض ملك مصر ومن { ٱلْمُلْكِ } ما يعم مصر وغيرها، ويفهم من كلام بعضهم جواز أن يراد من الملك مصر ومن البعض شيء منها وزعم أنه لا ينافي قوله تعالى:مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء } [يوسف: 56] لأنه لم يكن مستقلاً فيه وإن كان ممكناً فيه وفيه تأمل، وقيل: أراد ملك نفسه من إنفاذ شهوته، وقال عطاء ملك حساده بالطاعة ونيل الأماني وليس بذاك { وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } أي بعضاً من ذلك كذلك، والمراد بتأويل الأحاديث إما تعليم تعبير الرؤيا وهو الظاهر وإما تفهيم غوامض أسرار الكتب الإلهية ودقائق سنن الأنبياء، وعلى التقديرين لم يؤت عليه السلام جميع ذلك، والترتيب على غير الظاهر ظاهر وأما على الظاهر فلعل تقديم إيتاء الملك على ذلك في الذكر لأنه بمقام تعداد النعم الفائضة عليه من الله سبحانه والملك أعرق في كونه نعمة من التعليم المذكور وإن كان ذلك أيضاً نعمة جليلة في نفسه فتذكر وتأمل. وقرأ عبد الله وابن ذر { آتيتن وعلمتن } بحذف الياء فيهما اكتفاء بالكسرة، وحكى ابن عطية عن الأخير { اتَيْتَنِى } بغير { قَدْ }.

{ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي مبدعهما وخالقهما، ونصبه على أنه نعت ـ لرب ـ أو بدل أو بيان أو منصوب بأعني أو منادى ثان، ووصفه تعالى به بعد وصفه بالربوبية مبالغة في ترتيب مبادىء ما يعقبه من قوله: { أَنتَ وَلِيِّ } متولي أموري ومتكفل بها أو موالي لي وناصر { فِى ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ } فالولي إما من الولاية أو الموالاة، وجوز أن يكون بمعنى المولى كالمعطى لفظاً ومعنى أي الذي يعطيني نعم الدنيا/ والآخرة { تَوَفَّنِي } أقبضني { مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ } من آبائي على ما روي عن ابن عباس أو بعامة الصالحين في الرتبة والكرامة كما قيل، واعترض بأن يوسف عليه السلام من كبار الأنبياء عليهم السلام والصلاح أول درجات المؤمنين فكيف يليق به أن يطلق اللحاق بمن هو في البداية؟ وأجيب بأنه عليه السلام طلبه هضماً لنفسه فسبيله سبيل استغفار الأنبياء عليهم السلام، ولا سؤال ولا جواب إذا أريد من الصالحين آباؤه الكرام يعقوب وإسحٰق وإبراهيم عليه السلام، وقال الإمام: هٰهنا وهٰهنا مقام آخر في الآية على لسان أصحاب المكاشفات وهو أن النفوس المفارقة إذا أشرقت بالأنوار الإلهية واللوامع القدسية فإذا كانت متناسبة متشاكلة انعكس النور الذي في كل واحد منها إلى الأخرى بسبب تلك الملاءمة والمجانسة فعظمت تلك الأنوار وتقوت هاتيك الأضواء، ومثال ذلك المرايا الصقيلة الصافية إذا وصفت وصفاً متى أشرقت الشمس عليها انعكس الضوء من كل واحد منها إلى الأخرى فهناك يقوى الضوء ويكمل النور وينتهي في الإشراق والبريق إلى حد لا تطيقه الأبصار الضعيفة فكذلك هٰهنا انتهى.

السابقالتالي
2 3 4