الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـٰؤُلاۤءِ إِلاَّ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يٰفِرْعَونُ مَثْبُوراً }

قوله تعالى: { لَقَدْ عَلِمْتَ }: قرأ الكسائيُّ بضم التاء أَسْند الفعلَ لضمير موسى عليه السلام، أي: إني متحققٌ أني ما جئت به هو مُنَزَّلٌ مِنْ عندِ الله. والباقون بالفتح على إسناده لضميرِ فرعونَ، أي: أنت متحقِّقٌ أنَّ ما جئتُ به هو مُنَزَّل من عند الله وإنما كفرُك عِنادٌ، وعن عليٍّ رضي الله عنه أنه أنكر الفتحَ، وقال: " ما عَلِم عدوُّ اللهِ قط، وإنما عَلِم موسى " ، والجملةُ المنفيَّةُ في محلِّ نصبٍ لأنها معلِّقةٌ للعِلْم قبلها.

قوله: " بَصائر " حالٌ وفي عاملها قولان، أحدُهما: أنه " أَنْزَلَ " هذا الملفوظُ به، وصاحبُ الحال هؤلاء، وإليه ذهب الحوفيُّ وابنُ عطيةَ وأبو البقاء، وهؤلاء يُجيزون أن يَعْمل ما قبلَ " إلا " فيما بعدها، وإنْ لم يكنْ مستثنى، ولا مستثنى منه، ولا تابعاً له. والثاني: وهو مذهب الجمهور أنَّ ما بعد " إلا " لا يكون معمولاً لما قبله، فيُقدَّر لها عاملٌ تقديرُه: أَنْزَلها بصائِرَ، وقد تقدَّم نظيرُ هذه في " هود " عند قولِهإِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ } [هود:27].

قوله: " مَثْبورا " " مَثْبوراً " مفعولٌ ثانٍ، واعترض بين المفعولين بالنداء. والمَثْبُور: المُهْلَكُ. يقال: ثَبَره اللهُ، أي: أَهْلكه، قال ابن الزَّبْعَرى:
3116- إذ أُجاريْ الشيطانَ في سَنَنِ الغَيْ   يِ ومَنْ مالَ مَيْلَه مَثْبورُ
والثُّبُور: الهَلاكُ قال تعالى:لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً } [الفرقان: 14].