الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

إنْ اتصفوا بعيوبهم فلقد اعترفوا بذنوبهم. والإقرارُ توكيدُ الحقوق فيما بين الخَلْق في مشاهد الحكم، ولكن الإقرار بحق الله - سبحانه - يوجِبُ إسقاط الجُرْم في مقتضى سُنَّةِ. كَرَم الحقِّ - سبحانه، وفي معناه أنشدوا:
قيل لي: قد أَسَاءَ فيكَ فلانٌ   وسكوتُ الفتى على الضيم عارُ
قلتُ: قد جاءني فأَحْسَنَ عُذرا   دِيَةُ الذَّنبِ عندنا الاعتذار
{ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً }: ففي قوله: { وَآخَرَ سَيِّئاً } بعد قوله: { صَالِحاً } دليلٌ على أن الزَّلَّةَ لا تحبِطُ ثوابَ الطاعةِ؛ إذ لو أحبطته لم يكن العملُ صالحاً.

وكذلك قوله: { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ }: وعسى تفيد أنه لا يجب على الله شيء فقد يتوب وقد لا يتوب. ولأنَّ قوله صِدْقٌ.. فإذا أخبر أَنَّه يجِيبُ فإنه يفعل، فيجب منه لا يجب عليه.

ويقال قوله: { خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً }: يحتمل معناه أنهم يتوبون؛ فالتوبة عملٌ صالح. وقوله: { وَآخَرَ سَيِّئاً }: يحتمل أنه نَقْضُهم التوبة، فتكون الإشارة في قوله: { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } أنهم إن نقضوا توبتهم وعادوا إلى ما تركوه من زَلَّتهم فواجبٌ مِنَّا أن نتوب عليهم، ولئن بطلت - بنَقْضِهم - توبتُهم.. لَمَا اخْتَلَّتْ - بفضلنا - توبتُنا عليهم.