الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }

قوله عَزَّ وَجَلَّ: { وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً } الآية. قال مقاتلُ: (كَانَ بَيْنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ عَدَاوَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقِتَالٌ؛ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَدِيْنَةِ فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، فَافْتَخَرَ بَعْدَ ذلِكَ رَجُلاَنِ: ثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمٍ الأَوْسِيُّ؛ وَسَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ الْخَزْرَجِيُّ، فَقَالَ الأَوْسِيُّ: مِنَّا خُزَيْمَةُ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ؛ وَمِنَّا حَنْظَلَةُ غَسَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ؛ وَمِنَّا عَاصِمُ بْنُ ثَابتٍ حَمَى الدِّيْنَ؛ وَمِنَّا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الَّذِي اهْتَزَّ الْعَرْشُ لِمَوْتِهِ وَرَضِيَ بحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ. وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ: مِنَّا أرْبَعَةٌ أحْكَمُواْ الْقُرْآنَ: أبَيُّ بْنُ كَعْبٍ؛ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ؛ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ؛ وَأَبُو زَيْدٍ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ خَطِيْبُ الأَنْصَارِ وَرَئِيْسُهُمْ. فَجَرَى الْحَدِيْثُ بَيْنَهُمْ؛ فَغَضِبُواْ، فَقَالَ الْخَزْرَجُ: أمَا وَاللهِ لَوْ تَأَخَّرَ الإسْلاَمُ قَلِيْلاً وَقُدُومُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَقَتَلْنَا سَادَتَكُمْ وَاسْتَعْبَدْنَا أبْنَاءَكُمْ وَنَكَحْنَا نِسَاءَكمْ بغَيْرِ مَهْرٍ، فَقَالَ الأَوْسُ: قَدْ كَانَ وَاللهِ الإسْلاَمُ مُتَأَخِّراً كَثِيْراً، فَهَلاَّ فَعَلْتُمْ ذلِكَ حِيْنَ ضَرَبْنَاكُمْ حَتَّى أدْخَلْنَاكُمُ الْبُيُوتَ، وَتَكَاثَرَا وَتَشَاتَمَا ثُمَّ تَبَادَءا وَاقْتَتَلاَ حَتَّى اجْتَمَعَ الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَمَعَهُمُ السِّلاَحُ، فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِي أُناسٍ مِنَ الْمُهَاجِرِيْنَ وَقَدْ نَهَضَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ. قَالَ جَابرُ: فَمَا كَانَ طَالِعٌ يَوْمَئِذٍ أكْرَمَ عَلَيْنَا مَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَوْمَأَ إلَيْنَا فَكَفَفْنَا فَوَقَفَ بَيْنَنَا، فَقَرأَ:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ * وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } [آل عمران: 102-103] إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [آل عمران: 105] فَأَلْقَى الْفَرِيْقَانِ السِّلاَحَ وَأَطْفَأُوا الْحَرْبَ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الأَرْضِ شَخْصٌ أحَبَّ إلَيْهِمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ نُزُولِ الآيَةِ، وَمَشَى بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ يَأَمُرُونَ بالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَعَانَقَ بَعْضُهُمْ بَعضاً يَبْكُونَ، فَمَا رَأَيْتُ بَاكِياً أكْثَرَ مِنْ يَوْمَئِذٍ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { بِحَبْلِ ٱللَّهِ } أي تَمسَّكوا بدينِ الله، وقيلَ: بالْجَمَاعَةِ. وقال مجاهدُ وعطاءُ: (بعَهْدِ اللهِ). وقال قتادةُ والسديُّ والضحَّاك: (مَعْنَاهُ: وَاعْتَصِمُواْ بالْقُرْآنِ). وقَالَ عليٌّ رضي الله عنه: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " كِتَابُ اللهِ هُوَ الْحَبْلُ الْمَتِيْنُ؛ وَالذِّكْرُ الْحَكِيْمُ؛ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ " وقال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ هَذا الْقُرْآنَ هُوَ حَبلُ اللهِ الْمَتِيْنُ؛ وَهُوَ النُّورُ الْمُبيْنُ؛ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ؛ وَعِصْمَةُ مَنْ تَمَسَّكَ بهِ؛ وَنَجَاةُ مَنْ تَبعَهُ " وقال مقاتلُ: (مَعْنَى الآيَةِ: وَاعْتَصِمُواْ بأمرِ اللهِ وَطَاعَتِهِ). وقال أبو العاليَة: (بإخْلاَصِ التَّوْحِيْدِ للهِ). وقال ابنُ زيد: (بالإسْلاَمِ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلاَ تَفَرَّقُواْ } أي تَنَاصَرُوا في دينِ الله ولا تَتَفَرَّقُواْ فيه كما تَفَرَّقَتِ اليهودُ والنصارى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6