الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

{ فَإِنْ عُثِرَ } أي: اطلع بعد التحليف { عَلَىٰ أَنَّهُمَا } أي: الشاهدين الوصيين { ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً } أي: فَعَلا ما يوجبه من خيانة أو غلول شيء من المال الموصى به إليهما { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا } أي: فرجلان آخران يقومان مقام اللذين عثر على خيانتهما أي: في توجه اليمين عليهما لإظهار الحق وإبراز كذبهما فيما ادعيا من استحقاقهما لما في أيديهما { مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ } أي: من ورثة الميت الذين استحق من بينهم الأوليان، أي: الأقربان إلى الميت، الوارثان له، الأحَقَّان بالشهادة، أي: اليمين فـ (الأَوْلَيَانِ) فاعل (اسْتَحَقَّ). ومفعول (اسْتَحَقَّ) محذوف، قدره بعضهم (وصيتهما) وقدره ابن عطية (مالهم وتركتهم)، وقدره الزمخشريّ أن يجردوهما للقيام بالشهادة لأنها حقهما ويظهروا بهما كذب الكاذبين. وقرئ على البناء للمفعول أي: من الذين استحق عليهم الإثم. أي: جني عليهم. وهم أهل الميت وعشيرته. فـ (الأَوْلَيَانِ) مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف. كأنه قيل: ومن هما؟ فقيل: الأوليان. أو هو بدل من الضمير في (يَقُومَان) أو من (ءَاخَرَانِ) وقد جوز ارتفاعه بـ (اسْتَحَقَّ) على حذف المضاف. أي: استحق عليهم ندب الأوليين منهم للشهادة. وقرئ الأوّلين جمع (أوّل) على أنه صفة للذين، مجرور أو منصوب على المدح. ومعنى الأوَّلِيَّةِ: التقدم على الأجانب في الشهادة لكونهم أحق بها. وقرئ: الأوليين، على التثنية. وانتصابه على المدح. أفاده أبو السعود.

وقُرئ الأوَّلْين تثنية (أول) نصباً على ما ذكر. كما في البيضاويّ.

قال أبو البقاء: ويقرأ: الأوليين وهو جمع (أولى) وإعرابه كإعراب الأوّلين. ويقرأ الأولان، تثنية (الأول) وإعرابه كإعراب (الأَوْليان) { فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ } عطف على (يقومان) { لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ } أي: بالقبول { مِن شَهَادَتِهِمَا } أي: لقولنا: إنهما خانا وكذبا فيما ادعيا من الاستحقاق، أحق من شهادتهما المتقدمة. لما أنه قد ظهر للناس استحقاقهما للإثم { وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ } أي: ما تجاوزنا الحق فيها أو فيما قلنا فيهما من الخيانة { إِنَّا إِذاً } أي: إن اعتدينا { لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } أي: أنفسهم بتعريضها لسخط الله تعالى وعذابه، بسبب هتك حرمة اسم الله تعالى. أو من الواضعين الحق في غير موضعه.

ومعنى الآية الكريمة: أن الرجل إذا حضرته الوفاة في سفر، فليشهد رجلين من المسلمين. فإن لم يجدهما، فرجلين من أهل الكتاب. يوصي إليهما ويدفع إليهما ميراثه. فإذا قدما بتركته، فإن صدّقهما الورثة وعرفوا ما لصاحبهم، قُبِلَ قولهما وتركا. وإن اتهموهما، رفعوهما إلى السلطان فحلفا بعد صلاة العصر بالله، ما كتمنا ولا كذبنا ولا خنّا ولا غيرنا. فإن اطلع الأوليان على أن الكافريْن كذبا في شهادتهما، قام رجلان من الأولياء. فحلفا بالله؛ أن شهادة الكافريْن باطلة، وأنا لم نعتد. فترد شهادة الكافرين وتجوز شهادة الأولياءِ، هكذا روى ابن جرير عن ابن عباس وابن جبير وغيرهما.

السابقالتالي
2 3