الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ }

/ { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْـئَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } جوّز في { أَمْ } هذه أن تكون متصلة، وأن تكون منقطعة، فإن قدر (تعلمون) قبل { تُرِيدُونَ } بناء على دلالة السباق وهوأَلَمْ تَعْلَمْ } [البقرة: 106] والسياق وهو الاقتراح فإنه لا يكون إلا عند التعنت ـ والعلم ـ بخلافه كانت متصلة، كأنه قيل: أي الأمرين من عدم العلم بما تقدم، أو العلم مع الاقتراح واقع، والاستفهام حينئذ للإنكار بمعنى لا ينبغي أن يكون شيء منهما، وإن لم يقدر كانت منقطعة للإضراب عن عدم علمهم بالسابق إلى الاستفهام عن اقتراحهم كاقتراح اليهود إنكاراً عليهم بأنه لا ينبغي أن يقع أيضاً وقطع بعضهم بالقطع بناء على دخول الرسول صلى الله عليه وسلم في الخطاب أو لا، وعدم دخوله فيه هنا لأنه مقترح عليه لا مقترح ـ وذلك مخل بالاتصال ـ وأجيب بأنه غير مخل به لحصوله بالنسبة إلى المقصد، وإرادة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأول كانت لمجرد التصوير والانتقال لما قدمنا أنها بطريق الكناية، والمراد ـ على التقديرين ـ توصيته المسلمين بالثقة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك الاقتراح بعد رد طعن المشركين أو اليهود في ـ النسخ ـ فكأنه قيل: لا تكونوا فيما أنزل إليكم من القرآن مثل اليهود في ترك الثقة بالآيات البينة واقتراح غيرها فتضلوا وتكفروا بعد الإيمان، وفي هذه التوصية كمال المبالغة والبلاغة حتى كأنهم بصدد الإرادة فنهوا عنها ـ فضلاً عن السؤال ـ يعني من شأن العاقل أن لا يتصدى لإرادة ذلك، ولم يقل سبحانه: كما سأل أمة موسى عليه السلام أو اليهود للإشارة إلى أن من سأل ذلك يستحق أن يصان اللسان عن ذكره ـ ولا يقتضي سابقية وقوع الاقتراح منهم ـ ولا يتوقف مضمون الآية عليه إذ التوصية لا تقتضي سابقية الوقوع، كيف وهو كفر ـ كما يدل عليه ما بعد ـ ولا يكاد يقع من المؤمن، ومما ذكرنا يظهر وجه ذكر هذه الآية بعد قوله تعالى:مَا نَنسَخْ } [البقرة: 106] فإن المقصد من كل منهما تثبيتهم على الآيات وتوصيتهم بالثقة بها، وأما بيانه بأنه لعلهم كانوا يطلبون منه عليه الصلاة والسلام بيان تفاصيل الحكم الداعية إلى النسخ فلذا أردفت آية النسخ بذلك فأراه إلى التمني أقرب.

وقد ذكر بعض المفسرين أنهم اقترحوا على الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر أن يجعل لهم ذات أنواط كما كان للمشركين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى:ٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ } [الأعراف: 138] " والذي نفسي بيده لتركبن سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة إن كان فيهم من أتى أمه يكون فيكم، فلا أدري أتعبدون العجل أم لا؟ "

السابقالتالي
2 3