الرئيسية - التفاسير


* تفسير إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم/ ابو السعود (ت 951 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }

{ يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ } نُصب على أنه بدل اشتمال من مفعول اتقوا لما بـينهما من الملابسة، فإن مدارَ البداية ليس ملابسةَ الظرفية والمظروفية ونحوِها فقط، بل هو تعلّقٌ ما، مُصحِّحٌ لانتقال الذهن من المُبدلَ منه إلى البَدَل بوجه إجماليَ كما فيما نحن فيه، فإن كونَه تعالى خالقَ الأشياء كافةً مالكَ يومِ الدين خاصةً كافٍ في الباب، مع أن الأمرَ بتقوى الله تعالى يتبادر منه إلى الذهن أن المُتقَّىٰ أيُّ شأنٍ من شؤونه وأيُّ فعلٍ من أفعاله. وقيل: هناك مضافٌ محذوفٌ به يتحقق الاشتمال، أي اتقوا عذابَ الله فحينئذ يجوزُ انتصابُه منه بطريق الظرفية، وقيل: منصوب بمُضْمر معطوفٍ على (اتقوا) وما عُطف عليه، أي واحذروا أو اذكروا يوم الخ، فإن تذكير ذلك اليوم الهائل مما يُضْطرُّهم إلى تقوى الله عز وجل وتلقِّي أمره بسمع الإجابة والطاعة، وقيل: هو ظرف لقوله تعالى: { لاَّ يَهِدِّى } ، أي لا يهديهم يومئذ إلى طريق الجنة كما يهدي إليه المؤمنين، وقيل: منصوب بقوله تعالى: { وَٱسْمَعُواْ } بحذف مضاف، أي اسمعوا خبرَ ذلك اليوم، وقيل: منصوب بفعل مؤخر قد حُذف للدلالة على ضيق العبارة عن شرحه وبـيانِه لكمال فظاعة ما يقع فيه من الطامّة التامة والدواهي العامة، كأنه قيل: (يوم يجمع الله الرسل فيقول) الخ، يكون من الأحوال والأهوال ما لا يفي ببـيانه نطاقُ المقال، وإظهارُ الاسمِ الجليل في موضع الإضمار لتربـية المهابة وتشديد التهويل، وتخصيصُ الرسل بالذكر ليس لاختصاص الجمع بهم دون الأمم، كيف لا وذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } [هود، الآية: 103] وقد قال الله تعالى:يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـٰمِهِمْ } [الإسراء، الآية: 71] بل لإبانة شرفهم وأصالتهم، والإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بجمعِ غيرِهم بناءً على ظهور كونهم أتباعاً لهم، ولإظهار سقوطِ منزلتهم وعدم لياقتهم بالانتظام في سلك جمع الرسل، كيف لا وهم عليهم السلام يُجمعون على وجه الإجلال، وأولئك يسحبون على وجوههم بالأغلال!

{ فَيَقُولُ } لهم مشيراً إلى خروجهم عن عُهدة الرسالة كما ينبغي حسبما يُعربُ عنه تخصيصُ السؤال بجواب الأمم إعراباً واضحاً، وإلا لصدر الخطاب بأن يقال: هل بلغتم رسالاتي؟ وماذا في قوله عز وجل: { مَاذَا أُجَبْتُمُ } عبارةٌ عن مصدر الفعل، فهو نصْبٌ على المصدرية أيْ أيَّ إجابةٍ أُجبتم من جهة أُممِكم إجابةَ قَبول أو إجابةَ رد؟ وقيل: عبارة عن الجواب فهو في محل النصب بعد حذف الجارِّ عنه أيْ بأيِّ جوابٍ أجبتم؟ وعلى التقديرين ففي توجيه السؤال عما صدرَ عنهم وهم شهودٌ إلى الرسل عليهم السلام كسؤال الموؤودة بمَحْضرٍ من الوائد، والعدولِ عن إسناد الجواب إليهم بأن يقال: ماذا أجابوا؟ من الأنباء عن كمال تحقيرِ شأنهم وشدة الغيظ والسُّخط عليهم ما لا يخفى { قَالُواْ } استئناف مبني على سؤال نشأ من سَوْق الكلام كأنه قيل: فماذا يقول الرسل عليهم السلام هنالك؟ فقيل: يقولون: { لاَ عِلْمَ لَنَا } وصيغةُ الماضي للدلالة على التقرر والتحقق كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2