الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ }

فيه ثلاث مسائل: الأولى ـ: قوله تعالى: { وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ } في الخبر: أن المسلمين قالوا: رضينا بما حكم الله وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا فنزلت: { وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ }. وروى الزهري عن عُروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: حكم الله عز وجل بينكم فقال جلّ ثناؤه: { وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ } فكتب إليهم المسلمون: قد حكم الله عز وجل بيننا بأنه إن جاءتكم امرأة منّا أن توجهّوا إلينا بصداقها، وإن جاءتنا امرأة منكم وجهنا إليكم بصداقها. فكتبوا إليهم: أما نحن فلا نعلم لكم عندنا شيئاً، فإن كان لنا عندكم شيء فوجّهوا به فأنزل الله عز وجل: { وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ }. وقال ابن عباس في قوله تعالى: { ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } أي بين المسلمين والكفار من أهل العهد من أهل مكة يردّ بعضهم إلى بعض. قال الزهريّ: ولولا العهد لأمسك النساء ولم يرد إليهم صداقاً. وقال قتادة ومجاهد: إنما أمروا أن يُعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الْفَيء والغنيمة. وقالا: هي فيمن بيننا وبينه عهد وليس بيننا وبينه عهد. وقالا: ومعنى { فَعَاقَبْتُمْ } فاقتصصتم. { فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ } يعني الصدقات. فهي عامة في جميع الكفار. وقال قتادة أيضاً: وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار الذين بينكم وبينهم عهد، فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا. ثم نسخ هذا في سورة «براءة». وقال الزهريّ: انقطع هذا عام الفتح. وقال سفيان الثوريّ: لا يعمل به اليوم. وقال قوم: هو ثابت الحكم الآن أيضاً. حكاه القشيريّ. الثانية ـ: قوله تعالى: { فَعَاقَبْتُمْ } قراءة العامة { فَعَاقَبْتُمْ } وقرأ عَلْقمة والنَّخَعِيّ وحُميد الأعرج «فعقّبتم» مشدّدة. وقرأ مجاهد «فأعقبتم» وقال: صنعتم كما صنعوا بكم. وقرأ الزهريّ «فعقِبتم» خفيفة بغير ألف. وقرأ مسروق وشَقيق بن سلمة «فعقبتم» بكسر القاف خفيفة. وقال: غنمتم. وكلها لغات بمعنى واحد. يقال: عاقب وعَقَب وعَقّب وأعقب وتعقّب واعتقب وتعاقب إذا غنم. وقال القُتَبيّ «فعاقبتم» فغزوتم معاقبين غزواً بعد غَزْو. وقال ابن بحر: أي فعاقبتم المرتدة بالقتل فلزوجها مهرها من غنائم المسلمين. الثالثة ـ: قوله تعالى: { فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ } قال ابن عباس: يقول إن لحقت امرأة مؤمنة بكفار أهل مكة، وليس بينكم وبينهم عهد، ولها زوج مسلم قِبلَكم فغنمتم، فأعطوا هذا الزوج المسلم مهره من الغنيمة قبل أن تُخَمّس. وقال الزهريّ: يُعْطَى من مال الفيء. وعنه يُعْطى من صداق من لَحِق بنا. وقيل: أي إن امتنعوا من أن يَغْرَمُوا مهر هذه المرأة التي ذهبت إليهم، فانبذوا العهد إليهم حتى إذا ظفرتم فخذوا ذلك منهم.

السابقالتالي
2