الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ } واسمها آسية بنت مزاحم. قال يحيى بن سلام: قوله { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ } مَثَلٌ ضربه الله يحذّر به عائشة وحَفْصة في المخالفة حين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ضرب لهما مَثلاً بامرأة فرعون ومريم ابنت عمران ترغيباً في التمسك بالطاعة والثبات على الدِّين. وقيل: هذا حَثٌّ للمؤمنين على الصبر في الشدّة أي لا تكونوا في الصبر عند الشدة أضعفَ من امرأة فرعون حين صَبَرت على أذى فرعون. وكانت آسية آمنت بموسى. وقيل: هي عمة موسى آمنت به. قال أبو العالية: اطّلع فرعون على إيمان امرأته فخرج على الملأ فقال لهم: ما تعلمون من آسية بنت مزاحم؟ فأثْنَوْا عليها. فقال لهم: إنها تعبد رباً غيري. فقالوا له: اقتلها. فأوْتَد لها أوتاداً وشدّ يديها ورجليها فقالت: { رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ } ووافق ذلك حضور فرعون، فضحكت حين رأت بيتها في الجنة. فقال فرعون: ألا تعجبون من جنونها! إنا نعذبها وهي تضحك فقبض روحها. وقال سَلْمان الفارِسي فيما روى عنه عثمان النَّهْديّ: كانت تعذب بالشمس، فإذا أذاها حَرُّ الشمس أظلتّها الملائكة بأجنحتها. وقيل: سمّر يديها ورجليها في الشمس ووضع على ظهرها رحىً، فأطلعها الله حتى رأت مكانها في الجنة. وقيل: لما قالت: { رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ } أُرِيَت بيتها في الجنة يُبْنى. وقيل: إنه من دُرّة عن الحسن. ولما قالت: { وَنَجِّنِي } نجَّاها الله أكرم نجاة، فرفعها إلى الجنة، فهي تأكل وتشرب وتتنعّم. ومعنى { مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ } تعني بالعمل الكفر. وقيل: من عمله من عذابه وظلمه وشماتته. وقال ابن عباس: الجماع. { وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } قال الكلبي: أهل مصر. مقاتل: القبط. قال الحسن وابن كَيْسان: نجاها الله أكرم نجاة، ورفعها إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب.