الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان/ عبد الرحمن بن ناصر بن السعدي (ت 1376هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

وهذا أيضاً من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض، أن { لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ } بكل كلام، وقول، وفعل دال على تحقير الأخ المسلم، فإن ذلك حرام لا يجوز، وهو دال على إعجاب الساخر بنفسه، وعسى أن يكون المسخور به خيراً من الساخر، كما هو الغالب والواقع، فإن السخرية لا تقع إلا من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق، مُتَحَلٍّ بكل خلق ذميم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ". ثم قال: { وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } أي: لا يعب بعضكم على بعض، واللمز بالقول، والهمز بالفعل، وكلاهما منهي عنه حرام، متوعد عليه بالنار. كما قال تعالى:ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } الآية [الهمزة: 1]، وسمى الأخ المؤمن نفساً لأخيه، لأن المؤمنين ينبغي أن يكون هكذا حالهم كالجسد الواحد، ولأنه إذا همز غيره، أوجب للغير أن يهمزه، فيكون هو المتسبب لذلك. { وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ } أي: لا يعير أحدكم أخاه، ويلقبه بلقب ذمٍ يكره أن يطلق عليه، وهذا هو التنابز، وأما الألقاب غير المذمومة، فلا تدخل في هذا. { بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ } أي: بئسما تبدلتم عن الإيمان والعمل بشرائعه، وما تقتضيه بالإعراض عن أوامره ونواهيه، باسم الفسوق والعصيان، الذي هو التنابز بالألقاب. { وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } فهذا [هو] الواجب على العبد، أن يتوب إلى الله تعالى، ويخرج من حق أخيه المسلم، باستحلاله والاستغفار، والمدح له مقابلة [على] ذمه. { وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } فالناس قسمان: ظالم لنفسه غير تائب، وتائب مفلح، ولا ثَمَّ قسم ثالث غيرهما.