الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قوله تعالى: { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ }: في هذه الكافِ وجهان، أحدُهما: أنها في محلِّ رفعٍ خبراً لمبتدأ مضمرٍ تقديرُه: دَأْبُهم في ذلك كدأبِ آلِ فرعون، وبه بدأ الزمخشري وابن عطية.

والثاني: أنها في محلِّ نصبٍ وفي الناصب لها تسعةُ أقوال: أحدها: أنها نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، والعاملُ فيه " كفروا " تقديره: " إنَّ الذين كفروا كفراً كدأبِ آل فرعون " ، أي: كعادَتِهم في الكفر، وهو رأيُ الفراء. وهذا القولُ مردودٌ بأنه قد أَخْبَرَ عن الموصول قبل تمام صلتِه، فَلَزِمَ الفصلَ بين أبعاضِ الصلةِ بالأجنبي، وهو لا يجوزُ. والثاني: أنه منصوبٌ بكفروا، لكنْ مقدَّراً لدلالةِ هذا الملفوظِ به عليه. الثالث: أن الناصبَ مقدرٌ مدلولٌ عليه بقوله: " لَنْ تُغني " أي بَطَلَ انتفاعُهم بالأموال والأولادِ كعادةِ آل فرعون، في ذلك. الرابع: أنه منصوبٌ بلفظ " وقود " أي: تُوقد النارُ بهم كما توقد بآل فرعون، كما تقول: " إنك لتظلم الناس كدأبِ أبيك " تريد: كظلمِ أبيك، قاله الزمخشري. وفيه نظرٌ لأن الوَقودَ على القراءةِ المشهورةِ الأظهرُ فيه أنه اسمٌ لما يُوْقَدُ به، وإذا كان اسماً فلا عملَ له. فإنْ قيل: إنه مصدرٌ أو على قراءةِ الحسن صَحَّ. الخامس: أنه منصوبٌ بنفس " لن تُغْني " أي: لن تُغْنِي عنهم مثلَ ما لم تَغْنِ عن أولئك، ذَكَره الزمخشري، وضَعَّفه الشيخ بلزوم الفصلِ بين العامل ومعمولِه بالجملةِ التي هي قوله: { وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } ، قال: " على أيّ التقديرين اللذين قَدَّرْناهما فيها من أن تكونَ معطوفةً على خبر " إنَّ " أو على الجملةِ المؤكَّدةِ بإنَّ. قال: " فإنْ جَعَلْتهَا اعتراضيةً ـ وهو بعيدٌ ـ جاز ما قاله الزمخشري, السادس: أن يكونَ العاملُ فيها فعلاً مقدراً مدلولاً عليه بلفظِ الوقودِ تقديرُه: يُوقد بهم كعادةِ آل فِرعون، ويكون التشبيهُ في نفسِ الاحتراق، قاله ابن عطية. السابع: أَنَّ العاملَ " يُعَذَّبون " كعادة آل فرعون، يَدُلُّ عليه سياقُ اكلام. الثامن: أنه منصوبٌ بـ: " كَذَّبوا بآياتنا " ، والضميرُ في " كَذَّبوا " على هذا لكفار مكة وغيرِهم من معاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: كَذَّبوا تكذيباً كعادةِ آل فِرعون في ذلك التكذيبِ. التاسع: أنَّ العاملَ فيه قوله { فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ } أي: فأخذهم الله أَخْذاً كأخذِه آلَ فرعون، وهذا مردودٌ، فإنَّ ما بعد الفاءِ العاطفةِ لا يَعْمل فيها قبلها، لا يجوزُ: " قُمْتُ زيداً فضربْتُ " وأما " زيداً فاضربْ " فقد تقدَّم الكلامُ عليه في البقرة. وقد حكى بعض النحويين عن الكوفيين أنهم يُجيزون تقديمَ المعمولِ على حرف العطف فعلى هذا يجوز هذا القول.

وفي كلام الزمخشري سهوٌ فإنه قال: " ويجوزُ أَنْ ينتصِبَ مَحَلُّ الكاف بـ " لن تُغْني " أو " بخالدون " أي: لن تُغْنيَ عنهم مثلَ ما لم تُغْنِ عن أولئك، أو هم فيها خالدون كما يَخْلُدون " ، وليس في لفظ الآية الكريمة " خالدون " إنما نظْمُ القرآن: { وَأُولَـٰئِكَ هُمْ وَقُودُ ٱلنَّارِ } ويَبْعُدُ أَنْ يُقال أراد " خالدون " مقدَّراً يَدُلُّ عليه سياقُ الكلام.

السابقالتالي
2