الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

قوله تعالى: { يوصيكم الله في أولادكم } في سبب نزولها ثلاثة أقوال.

أحدها: أن جابر بن عبد الله مرض، فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف أصنع في مالي يا رسول الله، فنزلت هذه الآية، رواه البخاري ومسلم.

والثاني: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابنتين لها، فقالت: يا رسول قُتِل أبو هاتين معك يوم أحد، وقد استفاء عمهما مالهما، فنزلت، روي عن جابر بن عبد الله أيضاً.

والثالث: أن عبد الرحمن أخا حسان بن ثابت مات، وترك امرأة، وخمس بنات، فأخذ ورثته ماله، ولم يعطوا امرأته، ولا بناته شيئاً، فجاءت امرأته تشكو إِلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، هذا قول السدي.

قال الزجاج: ومعنى يوصيكم: يفرض عليكم، لأن الوصيّة منه فرض، وقال غيره: إنما ذكره بلفظ الوصية لأمرين.

أحدهما: أن الوصية تزيد على الأمر، فكانت آكد.

والثاني: أن في الوصية حقاً للموصي، فدل على تأكيد الحال بإضافته إلى حقه. وقرأ الحسن، وابن أبي عبلة: «يوصِّيكم» بالتشديد.

قوله تعالى: { للذكر مثل حظ الأنثيين } يعني، للابن من الميراث مثل حظ الأنثيين، ثم ذكر نصيب الإِناث من الأول فقال، { فإن كن } يعني: البنات { نساءً فوق اثنتين } وفي قوله: «فوق» قولان.

أحدهما: أنها زائدة، كقولهفاضربوا فوق الأعناق } [الأنفال: 13]. والثاني: أنها بمعنى الزيادة. قال القاضي أبو يعلى: إنما نص على ما فوق الاثنتين، والواحدة، ولم ينص على الاثنتين، لأنه لما جعل لكل واحدة مع الذكر الثلث، كان لها مع الأنثى الثلث أولى.

قوله تعالى: { وإِن كانت واحدة } قرأ الجمهور بالنصب، وقرأ نافع بالرفع، على معنى: وإِن وقعت، أو وجدت واحدة.

قوله تعالى: { ولأبويه } قال الزجاج: أبواه تثنية أَبٍ وأبة، والأصل في الأم أن يقال لها: أبة، ولكن استغنى عنها بأم، والكناية في قوله «لأبويه» عن الميت وإن لم يجرِ له ذكر.

وقوله تعالى: { فلأمه الثلث } أي: إِذا لم يخلف غير أبوين، فثلث ماله لأمه، والباقي للأب، وإِنما خص الأم بالذكر، لأنه لو اقتصر على قوله: { وورثه أبواه } ظنّ الظان أن المال يكون بينهما نصفين، فلما خصّها بالثلث، دل على التفضيل.

وقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر «فلأُمه» وفي بطون أمهاتكم } [الزمر: 6] وفي أمها } [القصص: 59] وفي أم الكتاب } [الزخرف: 4] بالرفع. وقرأ حمزة والكسائي كل ذلك بالكسر إذا وصلا، وحجتهما: أنهما أتبعا الهمزة ما قبلها، من ياء أو كسرة.

قوله تعالى: { فان كان له إِخوة } أي: مع الأبوين، فإنهم يحجبون الأم عن الثلث، فيردونها إلى السدس، واتفقوا على أنهم إذا كانوا ثلاثة إخوة، حجبوا، فإن كانا أخوين، فهل يحجبانها؟ فيه قولان.

السابقالتالي
2