الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ }

قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهنَّ } قال ابن عباس: إن مشركي مكة صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحُديبية على أنَّ من أتاه من أهل مكة ردَّه إليهم. ومن أتى أهل مكة من أصحابه، فهو لهم، وكتبوا بذلك الكتاب، وختموه، فجاءت سُبَيْعَة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب والنبي بالحُديبية، فأقبل زوجها وكان كافراً، فقال: يا محمد: اردد عليَّ امرأتي، فإِنك قد شرطت لنا أن تردَّ علينا من أتاك منا، وهذه طينة الكتاب لم تَجِفَّ بعدُ فنزلت هذه الآية. وذكر جماعة من العلماء منهم محمد ابن سعد كاتب الواقدي أن هذه الآية نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وهي أول من هاجر من النساء الى المدينة بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَدِمَتْ المدينة في هدنة الحديبية، فخرج في أثرها أخواها الوليد وُعمارة ابنا عقبة، فقالا: يا محمد، أوف لنا بشرطنا، وقالت أم كلثوم: يا رسول الله، أنا امرأة، وحال النساء إلى الضعف ما قد علمت، فتردّني إلى الكفار يفتنوني عن ديني، ولا صبر لي؟! فنقض الله عزَّ وجل العهد في النِّساء، وأنزل فيهن المحنة، وحكم فيهنَّ بحكم رضوه كلّهم، ونزل في أم كلثوم { فامتحنوهنَّ } فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتحن النساء بعدها، يقول: والله ما أخرجكنَّ الا حبُّ الله ورسولهِ، وما خرجتنَّ لزوج ولا مال؟ فإذا قلن ذلك تركن، فلم يرددن إلى أهليهن.

وقد اختلف العلماء في المرأة التي كانت سبباً لنزول هذه الآية على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنها سبيعة، وقد ذكرناه عن ابن عباس.

والثاني: أم كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعيط، وقد ذكرناه عن جماعة من أهل العلم، وهو المشهور.

والثالث: أُميمة بنت بشر من بني عمرو بن عوف، ذكره أبو نعيم الأصبهاني. قال الماوردي: وقد اختلف أهل العلم هل دخل ردُّ النساء في عقد الهدنة لفظاً أو عموماً؟ فقالت طائفة: قد كان شرط ردِّهن في لفظ الهدنة لفظاً صريحاً؛ فنسخ الله تعالى ردَّهن من العقد، ومنع منه، وأبقاه في الرجال على ما كان. وقالت طائفة: لم يشرط ردُّهن في العقد صريحاً، وإنما أطلق العقد، وكان ظاهر العموم اشتماله مع الرجال، فبين الله عز وجل خروجهنَّ عن عمومه، وفرق بينهن وبين الرجال لأمرين.

أحدهما: أنهن ذوات فروج تحرمن عليهم.

والثاني: أنهن أرقُّ قلوباً، وأسرع تقلُّباً منهم. فأما المقيمة على شركها فمردودة عليهم. وقال القاضي أبو يعلى: وإنما لم يردَّ النساء عليهم، لأن النسخ جائز بعد التمكين من الفعل، وإِن لم يقع الفعل.

قال المفسرون: والمراد بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا } رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه هو الذي تولَّى امتحانهن، ويراد به سائر المؤمنين عند غيبته صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3