الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }

قوله: { تُؤْمِنُونَ }: لا محلَّ له لأنه تفسير لتجارة. ويجوز أَنْ يكونَ محلُّها الرفعَ خبراً لمبتدأ مضمرٍ أي: تلك التجارةُ تؤُمنون، والخبرُ نفسُ المبتدأ فلا حاجةَ إلى رابطٍ، وأَنْ تكونَ منصوبةَ المحلِّ بإضمارِ فعلٍ أي: أعني تؤْمنون. وجاز ذلك على تقديرِ " أَنْ " وفيه تَعَسُّفٌ. والعامَّةٌ على " تُؤْمنون " خبراً لفظاً ثابتَ النون. وعبد الله " آمِنوا " و " جاهِدوا " أمرَيْن. وزيد بن علي " تؤمنوا " و " تجاهِدوا " بحذف نونِ الرفع. فأمَّا قراءةُ العامَّة فالخبرُ بمعنى الأمرِ يَدُلُّ عليه القراءتان الشاذَّتان؛ فإن قراءةَ زيدِ بنِ علي على حَذْفِ لام الأمر أي: لِتؤمنوا ولتجاهِدوا كقوله:
4259ـ محمدُ تَفْدِ نَفْسَك كلُّ نفسٍ   ............................
وقوله:قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ } [إبراهيم: 31] في وجهٍ أي: لِتَفْدِ، وليقيموا، ولذلك جُزِمَ الفعلُ في جوابِه في قولِه: " يَغْفِرْ " وكذلك قولُهم: " اتقى اللَّهَ امرؤ فَعَلَ خيراً يُثَبْ عليه " تقديرُه: ليتقِ اللهَ. وقال الأخفش: " إنَّ " تؤمنون " عطفُ بيان لتجارة " وهذا لا يُتَخَيَّلُ إلاَّ بتأويل أن يكونَ الأصلُ: أنْ تؤمنوا فلمَّا حَذَفَ " أن " ارتفع الفعلُ كقوله:
4260ـ ألا أيُّهذا الزَّاجِريْ أَحْضُرُ الوغَى   ..........................
الأصل: أن أَحْضُرَ. وكأنه قيل: هل أدلُّكم على تجارة مُنْجية: إيمانٍ وجهاد. وهو معنى حسنٌ لولا ما فيه من التأويل. وعلى هذا فيجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ تجارة. وقال الفراء: هو مجزومٌ على جوابِ الاستفهام وهو قولُه: " هل أدلُّكم " واختلف الناسُ في تصحيح هذا القولِ: فبعضُهم/ غلَّطه. قال الزجاج: ليسُوا إذا دَلَّهم على ما ينفعهم يَغْفِرُ لهم، إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا " يعني أنه ليس مرتَّباً على مجرد الاستفهام ولا على مجرَّدِ الدلالة. وقال المهدوي: " إنما يَصِحُّ حَمْلاً على المعنى: وهو أَنْ يكونَ " يؤمنون " ويُجاهدون عطفَ بيان على قولِه: " هل أدلُّكم " كأنَّ التجارةَ لم يُدْرَ ما هي؟ فبُيِّنَتْ بالإِيمان والجهاد، فهي هما في المعنى فكأنه قيل: هل تُؤْمنون وتجاهدون؟ قال: فإنْ لم تقدِّر هذا التقديرَ لم يَصِحَّ؛ لأنه يَصيرُ: إنْ دُلِلْتُمْ يَغْفِرْ لكم. والغُفْرانُ إنما يجبُ بالقَبولِ والإِيمانِ لا بالدَّلالةِ. وقال الزمخشري قريباً منه أيضاً. وقال أيضاً: " إنَّ " تُؤْمنون " استئنافٌ، كأنهم قالوا: كيف نعملُ؟ فقال: تؤْمنون ". وقال ابن عطية: " تُؤْمنون فعلٌ مرفوعٌ، تقديرُه: ذلك أنَّه تُؤْمنون " ، فجعله خبراً لـ " أَنَّ " ، وهي وما في حَيِّزها خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ. وهذا محمولٌ على تفسيرِ المعنى لا تفسيرِ الإِعرابِ، فإنَّه لا حاجةَ إليه.