الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

{ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً } أي: عير تجارة { أَوْ لَهْواً } أي: ما تلهوه له النفس عن الحق والجد النافع { ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } أي: أسرعوا إلى التجارة خشية أن يسبقوا إليها. وإنما أوثر ضميرها لأنها الأهم المقصود { وَتَرَكُوكَ قَآئِماً } أي: على المنبر { قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ } أي: من الثواب المرجوّ بسماع الخطبة والعظة بها { خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ } أي: لأن الثواب مخلد نفعه، بخلاف ما يتوهمونه منها.

قال الشهاب: وتقديم (اللهو) لأنه أقوى مذمة، فناسب تقديمه في مقام الذم. { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } أي: فاعملوا للأعراض الباقية عنده، فإنها خير من الأمور الفانية عندكم، وفوضوا أمر الرزق إليه بالتوكل والثقة بفضله. فإنه خير الرازقين.

تنبيهات

الأول: قال الرازيّ: وجه تعلق آية الجمعة بما قبلها، هو أن الذين هادوا يفرون من الموت لمتاع الدنيا وطيباتها، والذين آمنوا يبيعون ويشرون لمتاع الدنيا وطيباتها كذلك. فنبههم الله تعالى بقوله: { فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } أي: إلى ما ينفعكم في الآخرة، وهو حضور الجمعة، لأن الدنيا ومتاعها فانية، والآخرة وما فيها باقية. قال تعالى:وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } [الأعلى: 17]. ووجه آخر في التعلق. قال بعضهم: قد أبطل الله قول اليهود في ثلاث: افتخروا بأنهم أولياء الله وأحباؤه فكذبهم بقوله:فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [البقرة: 94]. وبأنهم أهل الكتاب، والعرب لا كتاب لهم، فشبههم بالحمار يحمل أسفاراً. وبالسبت، وليس للمسلمين مثله، فشرع الله لهم الجمعة. انتهى.

وقال المهايميّ في وجه المناسبة: بيّن الله تعالى أن مقتضى الإيمان الاجتماع على الخير، لاسيما الشكر على الإنسانية، لئلا تنقلب حمارية أو بهيمية، في مقابلة اجتماع أهل الكتاب على الشر، الذي جرهم إلى الحمارية والبهيمية.

الثاني: قال السيوطيّ في (الإكليل): في قوله تعالى:إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ } [الجمعة: 9] مشروعية صلاة الجمعة، والأذان لها، والسعي إليها، وتحريم البيع بعد الأذان. واستدل بالآية من قال: إنما يجب إتيان الجمعة على من كان يسمع فيه النداء. ومن قال: لا يحتاج إلى إذن السلطان؛ لأنه تعالى أوجب السعي، ولم يشترط إذن أحد. ومن قال: لا تجب على النساء لعدم دخولهن في خطاب الذكور. انتهى.

الثالث: في (الإكليل): في قوله تعالى:فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [الجمعة: 10] إباحة الانتشار عقب الصلاة، فيستفاد منه تقديم الخطبة عليها. انتهى.

وظاهره أنه لا يشرع بعد أدائها صلاة ما. غير أنه " كان صلى الله عليه وسلم يتنفل بعدها في بيته ركعتين " وفي رواية " أربعاً " وأما اعتقاد فريضة الظهر بعدها إذا تعددت، فتعصب مذهبيّ لا برهان له. وقد قلت في مقدمة مجموعة الخطب، في الفائدة الرابعة ما مثاله:

الحاجة في هذه البلاد في هذه الأوقات، تدعو إلى أكثر من جمعة، إذ ليس للناس جامع واحد يسعهم، ولا يمكنهم جمعة واحدة أصلاً.

السابقالتالي
2