الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

" النداء بالجمعة " هو في ناحية من المسجد، وكان على الجدار في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال السائب بن يزيد: كان للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذن واحد على باب المسجد، وفي مصنف أبي داود: كان بين يديه وهو على منبر أذان، وهو الذي استعمل بنو أمية، وبقي بقرطبة إلى الآن، ثم زاد عثمان النداء على الزوراء ليسمع الناس، فقوم عبروا عن زيادة عثمان بالثاني، كأنهم لم يعتدوا الذي كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقوم عبروا عنه بالثالث، وقرأ الأعمش وابن الزبير: " الجمْعة " بإسكان الميم وهي لغة، والمأمور بالسعي هو المؤمن الصحيح البالغ الحر الذكر، ولا جمعة على مسافر في طاعة، فإن حضرها أحسن، وأجزأته.

واختلف الناس في الحد الذي يلزم منه السعي، فقال مالك: ثلاثة أميال.

قال القاضي أبو محمد: من منزل الساعي إلى المنادي، وقال فريق: من منزل الساعي إلى أول المدينة التي فيها النداء، وقال أصحاب الرأي: يلزم أهل المدينة كلها السعي من سمع النداء ومن لم يسمع، وإن كانت أقطارها فوق ثلاثة أميال. قال أبو حنيفة: ولا من منزله خارج المدينة كزرارة من الكوفة، وإنما بينهما مجرى نهر، ولا يجوز لهم إقامتها لأن من شروطها الجامع والسلطان القاهر، والسوق القائمة، وقال بعض أهل العلم: يلزم السعي من خمسة أميال، وقال الزهري: من ستة أميال، وقال أيضاً: من أربعة أميال وقاله ابن المنكدر، وقال ابن عمر وابن المسيب وابن حنبل: إنما يلزم السعي من سمع النداء، وفي هذا نظر. والسعي في الآية: ليس الإسراع في المشي كالسعي بين الصفا والمروة، وإنما هو بمعنى قوله:وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } [النجم: 39]، فالقيام والوضوء ولبس الثوب والمشي سعي كله إلى ذكر الله تعالى، قال الحسن وقتادة ومالك وغيرهم: إنما تؤتى الصلاة بالسكينة، فالسعي هو بالنية والإرادة، والعمل والذكر هو وعظ الخطبة قاله ابن المسيب، ويؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الملائكة على باب المسجد يوم الجمعة يكتبون الأول فالأول إذا خرج الإمام طويت الصحف وجلست الملائكة يستمعون الذكر " ،والخطبة عند جمهور العلماء شرط في انعقاد الجمعة، وقال الحسن: وهي مستحبة، وقرأ عمر بن الخطاب، وعلي وأبي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وابن الزبير، وجماعة من التابعين: " فامضوا إلى ذكر الله " ، وقال ابن مسعود: لو قرأت " فاسعوا " لأسرعت حتى يقع ردائي.

واختلف الناس في: { البيع } في الوقت المنهي عنه إذا وقع ما الحكم فيه بعد إجماعهم على وجوب امتناعه بدءاً، فقال الشافعي: يمضي، وقال مرة: يفسخ ما لم يفت فإن فات صح بالقيمة، واختلف في وقت التقويم، فقيل: وقت القبض، وقيل: وقت الحكم، وقوله تعالى: { ذلكم } إشارة إلى السعي وترك البيع، وقوله: { فانتشروا } أجمع الناس على أن مقتضى هذا الأمر الإباحة، وكذلك قوله تعالى: { وابتغوا من فضل الله } أنه الإباحة في طلب المعاش، وأن ذلك مثل قوله تعالى:

السابقالتالي
2